ما أروع تلك المسيرة الشبابية والتظاهرة الوطنية التي قام بها أكثر من الفي مسلم ومسيحي لبناني امس، ومعظمهم من طلبة الجامعات، بتوجههم الى بلدة أرنون التي احتلتها اسرائيل وضمتها الى "الشريط الحدودي" المحتل. لقد فتحوا ثغرة في سياج الأسلاك الشائكة التي عزلت البلدة وهتفوا "بالدم، بالروح نفديك يا أرنون"، ملوحين بالعلم اللبناني وسط ترحيب أهالي البلدة بهم وفرحهم بمجيئهم. إنه نبأ جدير بأن يحتفي به العرب جميعاً لأنه بمثابة حزمة ضوء في متاهة العتمة، وبارقة أمل وسط مشاعر اليأس، وحافز همّةٍ في أجواء الاستكانة للظلم والعربدة والاعتداءات الصادرة عن اسرائيل بتشجيع ودعم من قوى اقليمية ودولية. لو ان أولئك اللبنانيين الألفين أو اكثر حسبوا حسابات معقدة أو اذعنوا لمخاوف من احتمال اطلاق الجنود الاسرائيليين وعملائهم الرصاص عليهم، أو تخوفوا من احتمال اعتقالهم، أو دخلوا في متاهة الحسابات السياسية الدقيقة ورفاهيتها، لما أقدموا على عملهم هذا الذي يستحقون عليه كل ثناء ودعم وإعجاب. لم يفتح هؤلاء ثغرة في سياج الأسلاك وحده. لقد فتحوا لأنفسهم طريقاً رأوه سهلاً على وعورته، سالكاً على رغم ما يحف به من مخاطر. لقد فتحوا ايضاً أعين العالم أكثر على مسألة عدوان صارخ ترتكبه اسرائيل مشاركين، بطريقتهم التي تنم عن وعي بضرورة تعميق الوحدة الوطنية اللبنانية، في الجهود الرامية الى حمل قوات الاحتلال الاسرائيلي على الرحيل. فليشتغل أهل السياسة في شؤونها، وليناقشوا ان كان من الاجدى بحث مسألة احتلال أرنون في اطار لجنة مراقبة وقف النار المنبثقة من "تفاهم نيسان" أو رفعها الى مجلس الأمن الدولي. وللساسة ايضاً ان يقدروا قيمة الوعود والنصائح الاميركية في شأن سبل معالجة المسألة. وليمض رجال حزب الله في ضرب قوات الاحتلال، وليشق الطلبة طريقهم عبر الأسلاك الشائكة، فهذه كلها أساليب كفاح في معركة واحدة عادلة، هي معركة تحرير الأرض اللبنانية المحتلة. الأمر واضح. هناك احتلال يجب ان ينتهي، وقرار دولي اجماعي يأمر اسرائيل بسحب قواتها من دون قيد أو شرط، ولا شيء يمكن ان يغني صاحب الحق عن انتزاع حقه بنفسه أو المشاركة على الأقل في دفع الأمور في اتجاه استرداد الحق. لقد سلطت المسيرة الى أرنون امس الضوء على أمرين آخرين ايضاً: حالة الانتظار التي تفرضها اسرائيل على محيطها العربي الى ان ينجلي غبار معركتها الانتخابية، وهي حال مؤسفة توحي بأن لا شيء يتحرك في المنطقة من دون قرار اسرائيلي. الأمر الآخر الواضح والمؤسف أيضاً هو الهيمنة الاميركية على الاممالمتحدة ونصيحة واشنطن لبيروت بعدم نقل الشكوى بشأن أرنون الى نيويورك... لماذا؟ خشية توجيه مجلس الأمن توبيخاً الى اسرائيل؟ هل نصدق أيضاً ان واشنطن تنتظر معنا، ومثلنا، نتائج الانتخابات الاسرائيلية وبعدها يكون لكل حادث حديث؟