شرطة لندن مبتلاة ب "عنصرية مؤذية ومتأصلة مؤسساتياً". هذا هو الحكم الدامغ الذي خرج به التقرير عن تحقيقات الشرطة في جريمة قتل الفتى الاسود ستيفن لورانس في لندن عام 1993، ويأتي التقرير الذي يصدر رسمياً عصر اليوم في وقت تتزايد "الحوادث العنصرية"، إذ بلغ عددها 13878 حادثاً العام الماضي، استناداً إلى إحصاء وزارة الداخلية البريطانية. وتسرب مضمون التقرير قبل الموعد المحدد لنشره، مما أثار غضب وزير الداخلية جاك سترو الذي حاول عبثاً عبر المحاكم ان يمنع الصحافة من نشر مقتطفات منه. ويُعتقد بأنه يتضمن نحو 70 توصية لاجراء تغييرات في الشرطة والنظام القضائي. وثمة مطالبة واسعة بأن يقدم رئىس شرطة لندن السير بول كوندون استقالته، لكنه وضباط شرطة كباراً يرفضون الاقرار بأن هناك "عنصرية متأصلة مؤسساتياً". والمفارقة ان كوندون الذي يشغل منصبه منذ 6 سنوات، اطلق قبل فترة حملة لمكافحة الفساد والعنصرية في صفوف الشرطة. ويعتبر إعداد التقرير في قضية ستيفن لورانس من اكثر التطورات اهمية في مجال العلاقات بين الاعراق في بريطانيا. وقد أثار نقاشاً في شأن العنصرية لم يسبق له مثيل في اوساط الرأي العام ووسائل الاعلام والمؤسسات البريطانية. كما يستأثر الموضوع باهتمام واسع خارج البلاد خصوصاً في أوساط الزعماء السود ونشطائهم في الولاياتالمتحدة. وكان اصرار نيفيل ودورين، والدي ستيفن، هو الذي دفع في النهاية وزير الداخلية الجديد جاك سترو في 1997 الى ان يطلب من القاضي السير ويليام ماكفرسون ان يجري تحقيقاً رسمياً في جريمة قتل ابنهما، بعدما كان الوزير المحافظ السابق رفض استجابة التماساتهما. ويتضمن التقرير نتائج هذا التحقيق. وبين الانتقادات الموجهة إلى الشرطة انها لم تتحرك بسرعة اثر قتل لورانس طعناً، وانها استبعدت في البداية ان يكون الجريمة طابع عنصري، وانها رفضت اعتقال الاشخاص الخمسة المشتبه فيهم الرئيسيين الاّ بعد فوات الاوان، على رغم ان مصادر عدة كانت زودت الشرطة اسماءهم بعد وقت قصير على وقوع الجريمة، مما يعني ان ادلة شرعية بالغة الاهمية فُقدت. وقُدّم ثلاثة من المشتبه فيهم في النهاية الى المحاكمة، ولكنهم برئوا. وبموجب قاعدة "التهديد المزدوج" المطبقة في بريطانيا، لا يمكن شخصا ان يُحاكم مرتين على الجريمة ذاتها، لذا لا يمكن محاكمة الثلاثة مرة اخرى بتهمة القتل. ويُعتقد ان التقرير يقترح انهاء العمل بهذه القاعدة. وكانت الشرطة لجأت في مجرى التحقيقات الى وضع كاميرا فيديو سراً في منزل احد المشتبه فيهم، وسجّلت لقطات مرعبة يظهر فيها الاشخاص المشتبه فيهم وهم يلوحون بسكاكين ويصفون كيف ينبغي ان يُطعن السود! وخلال التحقيق، اعترف رؤساء اجهزة عدة للشرطة في انحاء مختلفة من بريطانيا بوجود عنصرية متأصلة مؤسساتياً في صفوف الوحدات التي يشرفون عليها، او ان هناك ضباط شرطة عنصريين. ويوجد شكلان من العنصرية التي تقترن بالشرطة: احدهما الموقف العنصري من غير البيض من افراد الجمهور، والآخر يتمثل في النزعة العنصرية داخل جهاز الشرطة ذاته ازاء افراد الشرطة من الاقليات العرقية. ولايزيد عدد الشرطة الذين ينتمون الى اقليات عرقية عن 900 من مجموع 26 الف شرطي. واحدى المظالم الرئيسية للسود هي ان احتمال وقفهم وتفتيشهم على أيدي الشرطة يزيد خمسة اضعاف مقارنة ببقية البريطانيين. كما انهم يشكلون نسبة 2 في المئة من السكان، لكن 12 في المئة من نزلاء السجون هم من السود. والامر الذي لم يحظ بتغطية تذكر في وسائل الاعلام هو ان حادث اعتداء تعرض له فتى عراقي في آذار مارس الماضي كان يحمل اوجه تشابه قوية مع قضية لورانس. فقد تعرض الفتى لطعنات على ايدي خمسة فتيان بيض، كانوا يطلقون الفاظاً عنصرية، وكاد أن يموت متأثراً بجروحه. وطوال اشهر لم تعتبر الشرطة ان الاعتداء ذو طابع عنصري. ووجّه شرطي من اصل آسيوي كان يحقق في الحادث رسالة الى الهيئة المكلفة التحقيق في قضية لورانس، وفُصل اثر ذلك موقتاً من وظيفته. وحُكم على الفتى الذي دين بالجريمة بالسجن اربع سنوات فقط، وهو ما اعتبره بعضهم حكماً مخففاً جداً.