يُشكّل السود في بريطانيا ما نسبته 3 في المئة من مجموع السكان (قرابة 64 مليون نسمة)، وهم ينتشرون في طول البلاد وعرضها. وإذا كانت هذه حالهم، فإن من الطبيعي أن يكون مثيراً للاستغراب إقرار وزارة الداخلية أخيراً بأن هناك وحدات شرطة تغطي مقاطعة بأكملها أو أكثر وليس فيها شرطي واحد أسود! ويعكس مثل هذا الواقع فشلاً لا ريب فيه للسياسة المتبعة منذ سنوات في خصوص جعل الشرطة أكثر تمثيلاً للمجتمع البريطاني من خلال ضم مزيد من السود وأبناء الأقليات الإثنية الأخرى إلى هذا الجهاز الأمني الذي هيّمن عليه البيض تاريخياً ... ولا يزالون. وشددت وزيرة الداخلية تيريزا ماي، في كلمة أمام مؤتمر الرابطة الوطنية للشرطيين السود، على أن المواطن العادي لن يثق بالشرطة ما لم ينضم إلى صفوفها مزيد من السود وأبناء الأقليات الأخرى (مثل الآسيويين)، معتبرة أن نسبة هؤلاء في الشرطة حالياً «ببساطة ليست كافية». ووجهت ماي انتقادها خصوصاً إلى 4 وحدات من الشرطة تمثّل مقاطعات تشيشير ودورهام وشمال يوركشاير (انكلترا) ودفايد - باوز (ويلز)، كونها لا تضم أي شرطي أسود. وهو ما نفته اثنتان من هذه الوحدات قائلة إن لديها شرطياً أسود واحداً على الأقل (إضافة إلى عناصر من أبناء الأقليات الإثنية الأخرى)، على رغم أن ذلك لم يظهر في الإحصاء الرسمي الذي أصدرته وزارة الداخلية المتعلّق بالتركيبة الإثنية لأجهزة الشرطة المختلفة. وأبرز هذا الإحصاء ارتفاع تمثيل الشرطيين السود وأبناء الأقليات في لندن تحديداً مقارنة بالأقاليم البريطانية الأخرى، إذ بلغت نسبة هؤلاء 11.7 من مجموع شرطيي العاصمة (31 ألف فرد). ومن بينهم 646 شرطياً أسود والبقية من إثنيات مختلفة. وعلى رغم أن هذه النسبة (11 في المئة) تبدو مرتفعة بالمقارنة بمناطق أخرى، إلا أنها تظل في الواقع منخفضة كون نسبة السود والأقليات من عدد سكان لندن تبلغ 40.2 في المئة، ما يعني أن تمثيلهم في الشرطة لا يعكس حجمهم الفعلي. ووفق إحصاء رسمي، فإن لدى شرطة دفايد - باوز أقل عدد من الشرطيين من الأقليات. فليس لديها شرطي أسود بل ثمانية شرطيين «غير بيض» (أي 0.7 في المئة من مجموع قوة الشرطة في الدائرة وعددها 1175 فرداً). أما شرطة تشيشير فاحتلت أدنى نسبة تمثيل للأقليات (12 فقط من بين 1962 شرطياً). وأوضح الإحصاء أن ترتيب أجهزة الشرطة بالنسبة إلى «أدنى تمثيل» للسود والأقليات في صفوفها جاء كالآتي: دفايد - باوز 8 شرطيين، تشيشير12، كامبريا 13، نورث ويلز 13، نورث يوركشاير 15، دورست 17، هامبرسايد 17، لينكولنشاير 18، دورهام 20، وغوينت 21. واستناداً إلى تصنيف رسمي للشرطة، فإن عناصرها ينقسمون إلى 6 مجموعات: بيض، مختلطين، سود أو بريطانيين سود، آسيويين أو بريطانيين آسيويين، صينيين، أو «صنف آخر» من الأقليات، و»غير محدد» (أولئك الذين يرفضون قول ما هي أصولهم الإثنية). وكشفت أرقام وزارة الداخلية استمرار الهوة في تمثيل السود في الشرطة، وانعدام الثقة بين هذا الجهاز وأبناء المجتمع الأسود، إذ تبيّن أن السود معرّضون لاحتمال أن تعتقلهم الشرطة 6 مرات أكثر من غيرهم من البريطانيين. وتذكّر هذه الأرقام بعقود من الخلافات بين الشرطة ومجتمع السود الذي دأب على الشكوى من أن الشرطيين البيض يلفّقون قضايا للسود ويتهمونهم بجرائم لا علاقة لهم بها. وانفجرت تلك الخلافات اضطرابات دامية عام 1985 في ضاحية توتنهام شمال لندن، عندما تظاهر آلاف السود الغاضبون احتجاجاً على قتل الشرطة امرأة سوداء خلال عملية دهم، وبعدما كانت الشرطة قد قتلت قبل أسبوع امرأة سوداء خلال عملية دهم أخرى في ضاحية بريكستون جنوب العاصمة. وقتل المتظاهرون في توتنهام آنذاك الشرطي كيث بليكلوك الذي كان أول شرطي بريطاني يُقتل خلال احتجاجات شعبية في بريطانيا منذ العام 1833، ما أثار جرحاً في العلاقة بين السود والشرطة لا يبدو أنه إندمل حتى اليوم. وعلى رغم أن الحكومات المتعاقبة حاولت على مدى سنوات ردم الهوم بين الشرطة والسود، إلا أن أحداثاً جديدة كانت تحصل مكرّسة انعدام الثقة بين الجانبين. ولعل أبرز تلك الأحداث كان قتل الشاب الأسود ستيفن لورانس عام 1993 في جريمة هزّت المجتمع كونها كشفت وجود «عنصرية مؤسساتية متجذّرة» في جهاز شرطة العاصمة البريطانية، وفق الوصف الرسمي لتقرير لجنة التحقيق («تقرير ماكفرسون» عام 1999)، الذي تناول إخفاق الشرطيين البيض في إجراء تحقيق جدي في جريمة ارتكبها عنصريون بيض ضد شاب أسود أعزل كان ينتظر أمام موقف للباصات في جنوبلندن. ويقول مدافعون عن الشرطة البريطانية إنها تحاول منذ سنوات مدّ اليد إلى السود وأبناء الأقليات الأخرى بهدف ضمهم إلى صفوفها، وهو أمر نجح إلى حدّ ما من خلال تجنيد شرطيين سيخ وهندوس ومسلمين (بما في ذلك شرطيات محجّبات). لكن هؤلاء يقولون إن سياسة عصر النفقات التي تنتهجها الحكومة البريطانية حالياً بما في ذلك تقليص موازنة الشرطة تمنع تجنيد مزيد من هؤلاء. وكان نورويل روبرتس أول أسود على الإطلاق يصير شرطياً في جهاز الشرطة البريطانية عام 1967 حيث خدم على مدى 30 سنة. كما كان زميله رونالد هوب أول شرطي «غير أبيض» يصل إلى رتبة مفتش عام 1975. لكن بعد 40 سنة من الخرق الذي حققه هذان الأسودان، لا تزال الهيمنة للبيض في جهاز الشرطة البريطانية.