في السنوات الأخيرة بدأ الحديث في عدد من الدول العربية عن إطلاق أقمار صناعية (Satellites) إلى الفضاء الخارجي، لأغراض تتعلق في الغالب بالأبحاث العلمية وما يتعلق بالأحوال الجوية ومجال الاتصالات. ويقول تقرير "ساسة بوست"، أنه لا تكاد الدول العربية التي أطلقت حتى الآن أقمارًا صناعية تتحدث عن أغراض عسكرية إلا لِمامًا، وفيما يشبه فقط تبرئة ذمتها من أنها ليست "عدوانية" بقدر ما هي أدوات مساعدة تستفيد منها المؤسسة العسكرية كما غيرها من باقي المؤسسات المدنية الوطنية، من قبيل رصد الحركة على الحدود التي تفيد مؤسسات الدولة الأمنية منها وغيرها. هذا بجانب أن صناعة الأقمار العربية تفتقد إلى الاسقلالية عن التعاون الأجنبي. صناعة عمرها أزيد من نصف قرن -------------------------------------- إذا كانت صناعة وإنتاج الأقمار الصناعية اشتهرت طيلة النصف الثاني من القرن الماضي، وكانت واحدة من بين أبرز علامات الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والغربي، إلى جانب التسابق على إنتاج الصواريخ الباليستية والعابرة للقارات، لاسيما ما بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وقائد المعسكر الشرقي الاشتراكي، الاتحاد السوفياتي، فإن العرب لم يدخلوا هذا المجال -في حالات نادرة- إلا مع نهاية القرن الماضي قبل أن يزداد عدد الدول التي تطلق أقمارًا صناعية إلى المدار الخارجي في السنوات الأخيرة، وسط تساؤلات عدة حول ما إذا كانت هذه الأقمار الصناعية "العربية" الجنسية هي صناعة عربية أصيلة أم مجرد بضاعة أجنبية لبست لباسًا عربيًّا تمامًا كما هي باقي البضائع الاستهلاكية والإلكترونية والتكنولوجية. وقبل الحديث عن هذا الموضوع على المستوى العربي فإنه من اللازم أن نقوم بنوع من الكرونولوجيا لمسار تطور هذه الصناعة المتطورة على مستوى العالم، بحيث يكون من المهم جدًا أن نورد في هذا السياق بعض ما جاء به تقريرٌ علمي نشرته شبكة "بي بي سي"، سنة 2011، والذي أشار إلى أن أول الأقمار الصناعية التي تم إطلاقها إلى المدار في عام 1957، كانت من طرف الاتحاد السوفياتي، ومنذئذٍ، تم إطلاق أكثر من 6000 قمر صناعي في المدار. تشير المعطيات التي تضمنها تقرير ال"بي بي سي" إلى أن سنة الذروة بالنسبة لإطلاق الأقمار الصناعية من قبل الاتحاد السوفياتي كانت بين سبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، إذ تم إطلاق العديد من الأقمار الصناعية ذات الأعمار القصيرة، والمخصصة لأغراض التجسس والملاحة والاتصالات. وكان عام 1998 هو فترة الذروة بالنسبة لإطلاق الأقمار الصناعية الأمريكية، وذلك كنتيجة للتزايد في عدد إطلاق الأقمار الصناعية المخصصة للأغراض التجارية، ومن أجل نشر ثلاث شبكات من الأقمار الصناعية المخصصة للاتصالات، وهي "جلوبالستار" (Globalstar) وإيريديوم" (Iridium) و"أوربكوم" (ORBCOM). وقد تم إطلاق العديد من تلك الأقمار من على منصات إطلاق أمريكية أطلق البعض منها عدة أقمار دفعة واحدة. وبصفة عامة ينوه التقرير إلى أن سبعينيات القرن الماضي شهدت صعودًا في عدد الأقمار الصناعية المخصصة لأغراض الاتصالات، أمَّا في فترة التسعينيات، فقد شهدت ذروة إطلاق الأقمار الصناعية الملاحية، كما شهد العقد الأخير تزايدًا في إطلاق الأقمار الصناعية المدنية وتلك المخصصة لأغراض رصد ومراقبة الأرض. ويؤكد أنه في حال مواصلة هذا التوجه، فإن اللاعبين الراسخين في مجال الفضاء قد يواصلون بناء أقمار تكون أكبر حجمًا وأكثر استمرارية، بينما قد تزيد المؤسسات الدولية والمدنية، كالجامعات، من إنتاجها لأقمار صناعية أصغر حجمًا وأقل كلفة. قصة نجاح نايل سات في مصر ------------------------------ عربيًّا تعتبر مصر أولى الدول التي دخلت هذا المجال من باب الاتصالات بحيث أطلقت في إبريل 1998 القمر الصناعي المصري الأول (نايل سات 101)، ثم تلاه القمر الثاني (نايل سات 102)، في أغسطس 2000 لتدخل بهما نادي الفضاء العالمي. وتم إطلاق القمرين على الصاروخ الأوروبي آريان (4)، وقامت بتصنيعهما الشركة الأوروبية ماترا ماركوني سبيس (أستريوم). القمران الصناعيان المصريان يقدمان خدمة قومية واستراتيجية كبرى لمصر، بحسب الشركة المصرية للأقمار الصناعية، سواء على المستوى الداخلي أو على المستوى العالمي، حيث يقوم القمران بتوصيل الخدمات الإعلامية لكافة المناطق النائية في مصر، بالإضافة إلى تأمين الخدمات الإعلامية لكافة الشبكات الأرضية. أما على المستوى العالمي، فالقمران يقدمان تواجدًا وانفتاحًا إعلاميًّا أضافا الكثير للساحة الإعلامية المصرية والعربية، حيث ساهما في تعميق التفاعل مع الثقافات الأخرى ونقل صورة من الحضارة المصرية لجميع أنحاء العالم في إطار احترام الهوية والخصوصية المصرية، وفق المصادر الرسمية المصرية. ويتمتع كل من القمرين بعمر تشغيل افتراضي يصل إلى 15 عامًا، ويحمل كلا منهما 12 قناة قمرية على الحيز الترددي KU، بنطاق عرضي يصل إلى 33 ميجا هرتز، لتوفير خدمات الاتصالات الرقمية وخدمات البث المباشر للمنازل والبث الإذاعي وخدمات البيانات والوسائل المتعددة للدول في شمال أفريقيا وجنوب أوروبا والشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن القمرين المصريين مخصصان بالأساس للاتصالات إلا أنه مع ذلك لا يستبعد المتتبعون أن يكون القمران يقومان بأدوار ووظائف عسكرية وإن كانت السلطات المصرية لا تكشف عن ذلك. المغرب وزرقاء اليمامة ----------------------- فريق العمل المغربي الذي أشرف على بناء قمر "زرقاء اليمامة"، والمغرب البلد العربي الوحيد ربما الذي كشف عن الاستعمالات العسكرية لقمره الصناعي "ماروك توبسات" أو "زرقاء اليمامة" (بالفرنسية: MAROC-TUBSAT)، هو قمر صناعي للاستشعار عن بعد ذو وظائف سياسية مدنية أطلقه المغرب في 10 ديسمبر 2001، من قاعدة بايكونور الفضائية بكازاخستان، على متن الصاروخ الروسي زينيت-2. وبعد إطلاق القمر الصناعي الذي هو من صنع مغربي بمساعدة وإشراف من جامعة برلين التقنية، دخل مداره على علو 1000 كلم، وأصبح المغرب بذلك رابع دولة عربية بعد مصر والسعودية والإمارات، وثالث دولة أفريقية بعد مصر وجنوب أفريقيا تطلق بنجاح قمرًا صناعيًّا. وتورد بعض التقارير أن مشروع إنجاز قمر صناعي مغربي كان مجرد فكرة لدى الملك الراحل الحسن الثاني في سنة 1993، بعد إنشاء "المركز الملكي للاستكشاف الفضائي البعدي" سنة 1989، إلى أن تقدم مهندس مغربي (كريم طه) بالمشروع سنة 1995 مدعومًا من أستاذه الألماني البروفيسور رينير. لكن المشروع ظل حبيس الأذهان والأوراق إلى أن تولى الملك محمد السادس الحكم سنة 1999، وتابع برنامج تطويره شخصيًّا. وقد تولدت الرغبة في امتلاك قمر صناعي مغربي من محاولات فرض وجود المغرب في الساحة العالمية، ووجود بعثات التكوين التي أوفدتها القيادة العامة للقوات المسلحة الملكية منذ 1995، والتي شملت ستة ضباط مغاربة إلى الإدارة الوطنية للملاحة الفضائية والفضاء الأمريكية ناسا (NASA)، وعدة خبراء في 1992 إلى قاعدة بايكونور الفضائية الكازاخية ومحاولات بعض العلماء المغاربة الفلكيين خلق برنامج أبحاث فضائية مغربي مستقل. وبفضل استراتيجية تصميمه واستخدامه وخصوصًا سهولة فهم زخم نظام التحكم في الأداء لديه، يستطيع شخص واحد أن يشغل لوحده "زرقاء اليمامة". ويسمح القمر بمراقبة أي مكان في العالم خلال 24 ساعة، كما يستطيع رصد الأحداث بأوقات مختلفة ما بين 12 ساعة وأسبوعين. أما الكاميرا التي يحملها فتملك طولًا بؤريا ب 72 ملمتر ومجال رؤية بثماني درجات. وبالإضافة إلى المهام والوظائف المدنية التي يقوم بها "زرقاء اليمامة" كرصد تحركات الجليد ورسم الخرائط، وتطوير الغطاء النباتي، وجمع معلومات حول حالات الطقس والتقاط صور فضائية لمواقع جغرافية واختبار بعض التكنولوجيات مثل نجمة إي سي إس للاستشعار وتقنية التصوير المنخفض التكلفة، فإن القمر الصناعي المغربي لا يخفي قيامه بوظائف عسكرية وأمنية أيضًا، حيث تعتمد عليه الدولة أيضًا، منذ 2007، في المراقبة الأرضية للحدود المغربية وجمع البيانات والمعلومات وإرسالها إلى الجهات المختصة، وهي إدارة الدفاع الوطني بتنسيق مع المركز الملكي للاستكشاف الفضائي البعدي، والقيادة العامة للقوات المسلحة الملكية، وقيادة الدرك الملكي، ومديرية الدراسات وحفظ المستندات المعروفة ب(لادجيد) وهي المخابرات الخارجية والعسكرية، وإن كانت بعض مهام القمر الصناعي العسكرية تبقى محاطة بالسرية رغم تقديم إدارة الدفاع الوطني جزء من أبحاثه تحت تصرف الباحثين المغاربة المتخصصين في مجال الفضاء. تقارير كشفت مؤخرًا عن عزم المغرب إطلاق قمر صناعي إستراتيجي جديد، لكن الأحداث الجارية بين روسيا وأوكرانيا، والتخوف مما قد "يزعج" حلفاء المغرب الغربيين من أي تعاون مع روسيا في هذا المجال، جعل المغرب يؤجل إطلاقه إلى الفضاء الخارجي إلى مقبل الأيام في انتظار انفراج الأجواء العالمية. الجزائر وعينها على المغرب ------------------------------- لم يكن مفاجئًا أن تكشف الجزائر عن قمرها الصناعي آلسات AlSat، بالموازاة مع حديث التقارير المختلفة (الإعلامية والمخابراتية) عن "زرقاء اليمامة" المغربي، على اعتبار أن هناك أصلًا تسابق بين المغرب والجزائر على كافة الأصعدة بما فيها العسكرية والعلمية. وأعلنت الجزائر أن قمرها الصناعي، هو مشروع واسع من التعاون الدولي أطلقته الحكومة الجزائرية منذ عام 2000، كبرنامج لتطوير الأبحاث الفضائية وإرسال كوكبة من الأقمار الصناعية، مصممة خصيصًا للأبحاث العلمية ومراقبة الطقس ورصد واستشعار الزلازل والكوارث الطبيعية. آلسات 1 (AlSat 1) الجزائري، وفق ما هو مدون في موسوعة ويكيبيديا، هو "سويتل" (ساتل صغير) وزنه 90 كلغ، وأبعاده 60×60×60سم، وهو أول ساتل جزائري يرسل إلى الفضاء، وقد تم تصميم وتشييد SSTL في مركز ساري الفضائي بالمملكة المتحدة، في إطار برنامج تعاوني مع المركز الوطني الجزائري للتقنيات الفضائية (CNTS). وأطلق القمر آلسات 1 يوم 28 نوفمبر 2002، من قاعدة پلِستسك Plesetsk بروسيا، وقد كلفت عملية الإرسال من المحطة الروسية 15 مليون دولار أمريكي. وفي منتصف عام 2003، وبعد التأكد من بلوغ الساتل الجزائري لمداره الفلكي الذي يبعد ب 686 كلم عن الأرض، كان من المزمع إطلاق 4 سويتلات أخرى في نفس المدار ضمن مشروع مراقبة الأرض وذلك لاستكمال تغطية كوكب الأرض بالصور يومياً. وتتعاون الجزائر مع كل من نيجريا وتركيا والمملكة المتحدة بالإضافة إلى أمريكا في بناء أقمارها الصناعية وفق ما تكشف عنه بعض التقارير. السعودية وأقمارها التجريبية ---------------------------- السعودية التي أعلنت في الأسبوع الماضي بنجاح إطلاق القمر السعودي الصناعي ال13 "سعودي سات 4″، الذي حمله الصاروخ الروسي – الأوكراني "دنيبر" المقدم من شركة كسموتراس من قاعدة يازني الروسية، تعتبر واحدة من الدول العربية السباقة إلى خوض هذه التجربة الفضائية، حيث أطلقت أول أقمارها الاصطناعية سنة 2000، يحمل اسم "سعودي سات-1″ وهو عبارة عن منظومة أقمار تجريبية صغيرة. وتهدف "مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا" عبر "مركز تقنية الأقمار الصناعية" إلى تطوير أنظمة الأقمار الصناعية وتطبيقاتها في المملكة. وقد قام المركز بتصميم وبناء وإطلاق أزيد من عشرة أقمار صناعية حتى الآن. كما قام المركز بتصميم وبناء أجهزة للاتصال بالأقمار الصناعية الصغيرة بالإضافة إلى محطات أرضية للتحكم بها. ويقوم حاليًا بتطوير وتصنيع الجيل القادم من الأقمار الصناعية. وتتركز نشاطات المركز الحالية على الاتجاه العالمي نحو استخدام الأقمار الصناعية الصغيرة في المدارات المنخفضة لأغراض الاتصالات والاستشعار عن بعد؛ حيث تقدم مجموعة من هذه الأقمار تغطية أرضية أكبر وبتكلفة أقل من أقمار المدار الثابت. "سعودي سات 4″ يعتبر الأول من الجيل الجديد للأقمار السعودية التي تم تصميمها لتتوافق مع مهمات فضائية مختلفة، وفق تصريحات المسؤولين السعوديين، تلبي حاجات المملكة في البرنامج الوطني للأقمار الصناعية بالمدينة، مثل التصوير الفضائي، ونقل البيانات التي تحتاج إليها المملكة، وإجراء التجارب العلمية الخاصة التي تتطلب الوجود في الفضاء. كما يهدف لإجراء تجربة علمية فيزيائية بالأشعة الفوق البنفسجية في الفضاء، والتي تم تطويرها بواسطة فريق مشترك من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وجامعة ستانفورد ومركز أيمس التابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا). الإمارات رائدة الشرق الأوسط ------------------------------------ إذا كانت الإمارات العربية تفتخر بأنها أول دولة في الشرق الأوسط تنجح في الاستثمار في الأقمار الصناعية لأغراض تجارية، وسيكون بحوزتها في سنة 2018 عشرة أقمار وآخر منتهي الصلاحية، فإن اعترافها بالصبغة التجارية يغني عن أي خوض في أية وظائف أخرى محتملة للأقمار الصناعية الإماراتية ومنها العسكرية. وبحسب الإماراتيين فإن العام 2007 شهد ميلاد القمر "ياه سات"، من خلال الشراكة بين القوات المسلحة وشركة "مبادلة للتنمية"، حيث تمت دراسة الجانب التجاري وتم توقيع عقدين مع شركة "تاليس الينيا سبيس" الفرنسية وشركة "أي ايه دي إس استريوم" الأمريكية، وبعد التوقيع مع أول مزود رسمي تم إطلاق أول قمر صناعي العام 2011، والثاني بعده بعام واحد عبر التعاون مع الأممالمتحدة. وبالموازاة مع إطلاق القمر الإماراتي كشف المسؤولون أن الحصول على المدار الخاص بالقمر استغرق ما بين خمس إلى ست سنوات، وأن التحدي لم يكن تقنيًّا فحسب بل كان سياسيًّا واستراتيجيًّا وتم التنسيق والتعاون عبر خمسين اتفاقية مع 25 دولة ومنظمة عالمية لإرسال القمر وتأمين موقعه المداري. قطر: سهيل والجزيرة والتشويش -------------------------------- قطر هي الأخرى تلتحق بركب البلدان العربية التي انخرطت في غزو الفضاء الخارجي عبر الأقمار الصناعية، حيث أطلقت في 29 أغسطس/آب 2013، وعلى متن الصاروخ الأوروبي "أريان5″، القمر القطري "سهيل1″ الذي استغرق بناؤه ثلاث سنوات ويزن ستة أطنان، وصمم ليعمل 15 عامًا. ويعتمد "سهيل1″، حسب مصادر رسمية قطرية، أحدث التقنيات في مجالات البث الفضائي والاتصالات وخدمات الإنترنت ومقاومة عمليات التشويش وتحديد مصادرها بدقة. وكان التشويش الذي تعرضت له قنوات شبكة الجزيرة في كأس العالم عام 2010 قد دفع قطر إلى أن تقرر أن يكون لها استقلالها الفضائي، وأن تستثمر في التقنيات العالية الجودة كي تضمن بثًا نظيفًا. وتستعد قطر لإطلاق قمر صناعي ثان باسم "سهيل2″ في العام 2016، وسيكون التحكم فيه من قطر بنسبة 100% وبكوادر محلية. بعض المتتبعين يعتبرون "الرسالة" القطرية موجهة بالخصوص إلى مصر لمنافستها على "نايل سات" لاسيما بعدما حجزت ل"سهيل" على مدار "عرب سات" ما يجعله قبلة لمنافسة النايل على المستعملين العرب.