اليمين المحافظ في بريطانياوالولاياتالمتحدة لم يكف، منذ عقود، عن تبادل الخبرات والتجارب. رونالد ريغان في حملته الرئاسية الاولى في 1980 درس تجربة مارغريت ثاتشر في 1979 بعناية، كما درس شعاراتها، وفي وقت لاحق ربطت الزعيمين صداقةٌ شهيرة. حزباهما الآن ليسا في وضع يُحسدان عليه. محافظو بريطانيا يوالون التردي في استقصاءات الرأي العام، وقائدهم وليم هايغ لا يزال شخصاً نكرة لدى كثيرين من ناخبي بلاده. الجمهوريون، في المقابل، لم ينجحوا في احداث اي اختراق ملحوظ. و"مونيكاغيت" التي عوّلوا عليها كثيراً، تسببت بنتائج عكسية. انه الوقت الأشد ملاءمة، اذاً، لتبادل الأفكار، على الأقل بهدف الحد من التراجع. لكن الصورة ليست هكذا تماماً: فالجمهوريون الأميركان يملكون ما لا يملكه رفاقهم المحافظون البريطانيون: يملكون جناحهم الليبرالي بزعامة جورج بوش الابن، والذي ينيط به جزء من الحزب مهمة الانقاذ والعودة الى الصدارة. لهذا كان من المقرر، قبل رحيل الملك حسين، ان يتوجه هيغ الى الولاياتالمتحدة ليلتقي بحاكم تكساس ويتعلم منه. وكان اللافت في برنامج الرحلة التي بات يُفترض أن تتم في أي وقت، ان القائد المحافظ لم يسعَ الى طلب موعد مع الرئيس بيل كلينتون. فهيغ هاجسه، كل هاجسه، ان يختلي ببوش ويدرس استراتيجية جناحه في الحزب الجمهوري المعروفة ب "المحافَظة التي تعتني" او: المحافظة ذات العناية. فبوش نجم صاعد: اول جمهوري يحكم تكساس، ونجح في كسب أصوات الوسط، نجاحه في انتزاع اصوات تصب تقليدياً في مصلحة الديموقراطيين. وهو الآن الأوفر حظاً، بين الجمهوريين، لالحاق الهزيمة بآل غور في الانتخابات الرئاسية المقبلة. في هذا المعنى فهو يشبه رئيس حكومة بريطانيا توني بلير الذي "يخاطب الشعب كله ويوحّده"، انما على جبهة اليمين. موضوعاته الأثيرة هي الفقر والأمية ودواخل المدن والمسؤولية الشخصية، او ما يُسمى قيم ما بعد الستينات منظوراً اليها بعين جمهورية. هكذا يرى بعضهم ان بوش يجدد اليمين من زوايا عدة: اولاً: ما دامت الريغانية انتهت غدا التشديد على "العناية" أمراً لا بد منه، لا سيما انها تعيد تمتين النسيج الوطني الواحد نظرياً، والذي يشكو بعض الهلهلة عملياً. الحب والنظام يمكن لهما الآن ان يسيرا يداً بيد. ثانياً: الاتفاق مع اليسار البليري على أن القضايا الاقتصادية لم يعد يُعوّل عليها لكسب الأصوات الناخبة، اذ حلت محلها مسائل الجريمة والمخدرات وانهيار العائلة. ثالثاً: طالما ان الحرب الباردة آلت الى زوال، فلا بأس بمصالحة التقليدين "الداخليين" الليبرالي والمحافظ: فالمشكلة، في رأي بوش، لم تعد "خارج حدودنا بل هي في داخل أرواحنا"، و"نحن وحدنا المسؤولون عن تردينا". وواضح هنا كيف يصار الى مخاطبة اليمين الديني والاخلاقي تكتيكياً مع الحد الأدنى من الامتثال الاستراتيجي له. قصارى القول ان اليمين ما بعد الريغاني والثاتشري، يراجع ويفكر، ولو أن الأفكار والمراجعات لا تزال أولية جداً