منذ بضع سنوات استطاع رشيد الوالي ان يصنع لنفسه مكانة متميزة في المشهد السينمائي المغربي، خصوصاً بعد الصحوة النسبية التي عرفتها صناعة السينما جعلت المشاهد يقبل على صالات العرض، كلما تعلق الأمر بفيلم مغربي. ومن بين أهم الأفلام التي رسخت صورة الوالي عند المتفرج المغربي: "سارق الأحلام" 1995، "عبروا في صمت" 1997، وأخيراً "مصير امرأة" 1998، وكلها للمخرج حكيم النوري، إضافة إلى الفيلم الأول لنبيل عيوش "مكتوب" 1997 الذي فاز بجوائز عدة أهمها جائزتا العمل الأول وأحسن فيلم عربي في مهرجان القاهرة ما قبل الأخير. وفي انتظار عرض فيلمه الأخير "كيد النساء"، أجرينا معه هذا الحوار: كانت صورتك حاضرة بقوة في الدورة الخامسة للمهرجان السينمائي الوطني، فداخل المسابقة الرسمية كانت لك ثلاثة أفلام طويلة: "مكتوب" و"عبروا في صمت" و"مصير امرأة"، وفيلم قصير هو "سفر في الماضي"، وخارجها في إطار العروض الموازية لأنشطة المهرجان فيلمان: "سارق الأحلام" و"حب في الدار البيضاء". انطلاقاً من هذا الرصيد الذي يحلم به كل ممثل مغربي شاب، هل تتفق معي في استخلاص مفاده انك تؤسس لإطار نجومي مغربي على الطريقة الهوليوودية، أو حتى لا أكون مغالياً اكتفي بالصيغة المصرية؟ - المرحلة هي التي فرضت هذا الشكل... اتفق معك، فتكويني الجسدي يفرض عليّ نوعاً من الأدوار، هي في الغالب شخصية الفتى الأول. وهذا امتياز، لأن أي ممثل يحلم بأن يصبح بطل العمل الدرامي الذي سيشارك فيه، وإن كانت صورة بطل أي فيلم لا تلزم مشخصها أن يكون وسيماً وطويل القامة، وهذا ما ركزت عليه منذ بداياتي. إذ حاولت أن أعمق تجربتي حتى أتجاوز هذه المواصفات. طبعاً لم يكن لدينا من قبل، حسب علمي، نجوم شباك، حتى وإن كانوا لم تتح لهم فرصة الظهور، إذ لم تكن الأعمال المغربية ترى بصورة مكثفة كما الآن. فحتى ظروف المرحلة التي ظهرنا فيها كجيل شاب، مكنت الممثل المتميز من أن يفرض نفسه. من يتابع مسارك السينمائي، القصير نسبياً، يمكنه الخروج بملاحظة مهمة تتجلى في كونك تحاول ما أمكن ان لا تسقط في النمطية، فالشخصيات التي تقمصتها تدل على نوع من الاجتهاد في الأداء، على رغم ان بعض الأدوار التي مثلتها في المسلسلات لا ترقى إلى مستواك الفني. لكن هل انعدام الاسلوب النمطي في أدائك يرجع إلى رفضك الأدوار المتشابهة، أم إلى تعاملك مع مخرجين جيدين لديهم القدرة على الانصات للممثل والأخذ بيده للوصول إلى الأفضل؟ - أبدأ من اشارتك إلى التلفزيون. مشاركتي في المسلسلات لم تعبر عن امكاناتي الحقيقية. وهذا شيء طبيعي، لأن الاشتغال في التلفزيون والسينما يختلف تماماً، ولكل منهما جمهوره الخاص. فالشخصيات التلفزيونية التي أديتها لم تكن تحتاج إلى تعمق وجهد كبيرين، فأنا لا أذهب معها بعيداً. إذن لكل مقام مقال، وإلا اسقط في التكلف أثناء أدائي للشخصية، وهذا ما يقع فيه بعض الممثلين الجيدين الذين يعطون شخصية بسيطة من حيث الكتابة الدرامية ما لا تتحمله، فيسقطون في فخ التصنيع. وهذا ما أخاف الوقوع فيه، فمثلاً إذا كان الدور يتطلب مني أن أشرب كأس شاي، افعل ذلك بشكل عادي، لأن شرب الشاي لا يعتمد في نظري أي تمثيل. بالنسبة إلى السينما، بدأت بدورين صغيرين في "حب في الدار البيضاء" 1991 لعبدالقادر لقطع، ثم مع نبيل لحلو في "ليلة القتل" 1993 لكن الصدفة جمعتني مع حكيم النوري. أنا من نوعية الممثلين الذين إذا شعروا ان المخرج لا يكن لهم التقدير والاحترام، لا يمكن لهم ان يعطوا معه شيئاً ذا قيمة فنية. واحتاج إلى مخرج يؤمن بعطاءاتي كممثل، وأن يكون صبوراً معي أثناء فترة التصوير، بمعنى ان يكون هناك نقاش وحوار، كما يحدث بيني وحكيم النوري، وهذا يؤدي إلى نتيجة جيدة. إذاً بداياتي الأولى كان مصدرها الحظ، لكنني الآن أحاول استغلال الفرص التي تتاح لي بالعمل مع مخرجين جيدين، حتى انني إذا اقتنعت بكفاءة مخرج أسعى إلى العمل معه وأعرض عليه خدماتي، كما حصل مع أحمد بولان الذي مثلت معه فيلماً قصيراً، يعني "سفر في الماضي" 1996، وكان تطوعاً مني ورغبة شدتني بعد قراءة السيناريو. وبعده عرضت على مخرجين شباب فكرة العمل في أفلامهم. بما انك تطرقت إلى العمل في التلفزيون، ألا تخاف أن تحترق سينمائياً باستمرارك في الاشتراك في المسلسلات؟ - لا أؤمن بأن العمل في التلفزيون يؤثر سلباً على ممثل السينما. علينا أن لا ننسى أن المستقبل للتلفزيون، فقد تطورت امكاناته كثيراً. هناك الآن أعمال تلفزيونية تصور بطريقة سينمائية، وإن كنا في المغرب ما زلنا نعيش تجربة مغايرة، ولكن - حسب المنطق - إذا لم اشتغل في التلفزيوين ولم تعمل منى فتو وآخرون، فلمن سنترك هذا القطاع المهم؟ سيعمل فيه كل من هب ودب، وستبقى فكرة أن التلفزيون لا يعطينا شيئاً متميزاً هي السائدة، لهذا على المخرجين والممثلين أن يكسروا هذا الحاجز النفسي ويتعاملوا مع التلفزيون ليرتقوا بمستوى الأعمال الدرامية التي يقدمها. حتى وقت قصير كان المشاهدون المغاربة عندما تعرض أعمال تلفزيونية يقولون: "آه انها مغربية" ويولونها ظهورهم. الآن أراهن ان الناس ينتظرون ويتابعون المسلسل حلقة، حلقة... ويغضون الطرف عن بعض الهفوات إيماناً منهم بأننا نعاني وأننا لم نبلغ بعد مستوى معيناً، وأن لدينا مشاكل مادية. لكن ألا تظن ان هذه الأعمال تهبط بذوق الجمهور، وستكون بالتالي خطراً على الأفلام السينمائية التي سيضطر صانعوها إلى مجارات هذا الذوق الذي سيصبح هو السائد؟ - قد لا اتفق معك في هذا الطرح، فمع أن المسألة من الناحية النظرية تبدو مقبولة، إلا أن الواقع يكذب ذلك. اذ ان هذا المتفرج الذي تتحدث عنه لا يشاهد القناة المغربية وحدها، والمقارنة مطروحة.. لهذا قلت لك انهم يغضون الطرف. الدراما في المغرب تنقصها الامكانات، فأنا مثلاً اشتغل شبه متطوع، الاجور زهيدة، ولأنني اعلم ان هناك شريحة من الجمهور، شيوخ، امهات... عائلات بكاملها لا تذهب الى السينما، بل الانكى ان بعض المدن - حتى لا نتكلم عن القرى - لا توجد فيها قاعة سينما واحدة، فلماذا احرم هؤلاء الناس من مشاهدة اعمال درامية مغربية. اما عن جمهور السينما فاني التقى بعينات منه، ودائماً يكونون متفهمين وواعين لهذه الاشكالية، اذ غالباً ما يقال لي: لقد شاهدناك - مثلاً - في فيلم "سارق الاحلام" وكنت جيداً، في حين نلاحظ فرقاً واضحاً بين ما تقدمه سينمائياً وتلفزيونياً ونحن نعلم ان هذا الاخير لا يمنحكم الامكانات التي تمنحها السينما. لا تريد ان تكون عجينة لينة بين أيدي المخرجين. في حين ان حكيم النوري يردد دائما ان أي ممثل، ان لم يجد مخرجاً يديره لن يؤدي دوره بالحنكة والصدق اللازمين. كيف يمكن لك ان تفسر لنا منظورك لعلاقة الممثل بالمخرج في السينما من خلال هذين الرأيين؟ - الرأيان لا يختلفان كثيراً، لأنك ان لم تكن عجينة لينة فهذا يتطلب من المخرج وقتاً وجهداً ليأخذ منك ما يريده، ويتطلب منك ايضاً مستوى ثقافياً وحرفياً معيناً لكي تفهم ما يريده منك المخرج، فهذا الاخير لديه شخصيات في فكره يريد ان يراها امامه تتحرك لحماً ودماً، والممثل الآتي بماضيه عليه ان يفهم هذا ويكون مستعداً له. على المخرج ان يملك تقنيات وأدوات تجعله يستطيع التوصيل، وعلى الممثل بالمقابل ان يكون قادراً على استيعاب الشخصية واخراجها الى الوجود. لكنه - أي الممثل - يمكن ان يفهم بمستوى معين حسب استيعابه الشخصية، والمخرج الذي يكون متمكناً من البعد النفسي يستطيع عند النقاش معه ان يقنعه بپ"الدرجة" التي يريده ان يجسد بها. فمجرد قراءة السيناريو ليست كافية لكي يتفهم الممثل كل ابعاد الشخصية، لأن المخرج هو الذي يظل - في الأخير - ماسكاً بزمام كل ما يتعلق بفيلمه، انه صاحب البصمة الاخيرة التي تطبع الفيلم. شاركت في افلام اجنبية عدة، حدثنا عن مدى افادتك من هذه الأعمال، وعن درجة اختلاف طقوس او اجواء العمل في فيلم اجنبي وآخر مغربي. - اتيت من المسرح، بدأت فيه سنة 84 مع عباس ابراهيم، وقضيت 12 سنة في التمثيل المسرحي، وعندما نقول المسرح تتبادر الى اذهاننا مصطلحات، كالمعاناة والاعتماد على الذات ونكرانها في آن... وبعد ذلك اشتغلت في السينما والتلفزيون. شعرت بالفرق الشاسع بين هذه الميادين الثلاثة، وفي مرحلة لاحقة جاءت تجربتي في الاعمال السينمائية الغربية فأعجبتني لكن لم تبهرني. لأنه انطلاقا من وعيي لمدى الامكانات الضخمة التي تمنح لهذه الأفلام، مقارنة بالموازنات الهزيلة التي تعطى للأفلام المغربية، شعرت بالاختلاف، اعتبرته منطقياً ولم يغرني كما حدث مع الآخرين. بالاضافة الى ان تجربتي في السينما المغربية كانت هي السابقة اما الافادة فهي مادية اكثر من اي شيء آخر. هل عندك شروط للاشتغال مستقبلاً في أعمال اجنبية؟ - عندما يعرض عليّ العمل في فيلم اوروبي ولا يعجبني الدور او اجد ان الشخصية مجرد "كومبارس"، أرفض المشاركة. هذا لا يعني اني لا اقبل الا الادوار الرئيسية، فحتى لو كنت سأصور يوماً او يومين فهذا لا يشكل لي اي عقدة نقص، ايمانا مني انه لا يوجد دور صغير ودور كبير، بل هناك ممثل كبير وآخر صغير...