المركبة التي كان ينتظر أن تنقل لأول مرة أصوات الفضاء الى الأرض سكتت نفسها عن الكلام. فُقد الأمل أمس بالاتصال بمركبة المريخ "مارس لاندر" التي هبطت على سطح الكوكب الجمعة الماضية. وبدا علماء مختبر "الدفع النفاث" التابع لوكالة الفضاء الأميركية "ناسا" أقرب للاستسلام الى فكرة فشل المهمة التي كلفتهم نحو 200 مليون دولار. وهذه ثاني مركبة فضائية تضيع في المريخ خلال ثلاثة اشهر. وتثور الشكوك الآن بمستقبل برنامج طموح لوكالة "ناسا" حاول الجمع بين خفض النفقات وتحقيق المشاريع الكبيرة. وأضاف الفشل رقماً جديداً الى المحاولات الفاشلة لبلوغ الكوكب الأحمر الذي ألهب خيال البشر منذ فجر التاريخ. فمن بين 25 مركبة روسية وأميركية ارسلت الى المريخ منذ بداية عصر الفضاء عام 1962 ضاعت 11 مركبة. قبل محطة "مارس لاندر" ضاعت محطة المريخ المدارية "مارس أوربيتر" التي فقد الاتصال بها في ايلول سبتمبر. كان يفترض أن تعمل "مارس اوربيتر" كمحطة تقوية لارسال الاشارات من المريخ الى الارض. ويُعتقد بأن سبب ذلك الحادث خطأ بشري بسيط وقع عند استخدام أجزاء المركبة وحدات قياسية مختلفة: بوصات وأميال وأمتار وكيلومترات. أدى ذلك الى تحليق المركبة على مسافة خطرة من المريخ واحتراقها في جوه القاسي. لكن الخبراء يعتقدون بأن مسؤولية التقصير تتحملها سياسة ضغط موازنة "ناسا"، وفشل شعار استكشاف الفضاء بصورة "أسرع وأفضل وأرخص". ولم تتوفر لحد يوم أمس أي معلومات عن مصير المركبة الحالية. ولا يعرف ما إذا كانت واحدة من الأقدام الثلاث لها تعثرت باخدود قرب منطقة القطب الجنوبي في المريخ الذي يفترض أنها هبطت فيه، أم أن هوائيات المركبة مشرعة باتجاه خاطئ لا يحمل رسائلها الى الأرض، أو أنها تحطمت وتناثرت أجزاء على سطح الكوكب الأجرد. ويستحيل معرفة مصيرها باسترجاع أي أجزاء من سطح المريخ الذي يبعد مسافة نحو ربع مليون كيلومتر عن الأرض. هل يمكن الحصول على صور للحادث من كاميرات "راصد المريخ" مارس سرفيير الذي يصور سطح الكوكب؟ يشك الخبراء في أن تكون قوة بصر الكاميرات كافية لرؤية المركبة المجهولة المصير. وكل ما يملكه العلماء في الوقت الحالي العودة الى وثائق صناعة المركبة بأمل العثور على تفسير لما حدث، وعليهم في كل حال تقديم جواب قبل اطلاق مركبة رصد المريخ التالية عام 2001. الفرصة الضائعة وقد احيطت المركبة المفقودة "مارس لاندر" بالآمال عند اطلاقها في كانون الثاني يناير الماضي. كان من المقرر ان تبحث في القطب الجنوبي للمريخ عن آثار وجود ماء متجمد للتعرف على مناخ الكوكب الاحمر في الماضي والحاضر. يقوم بالتنقيب عن الماء مجسان صغيران يفتحان ثغرة في سطح الكوكب ويتغلغلان فيها الى عمق قدمين ونصف. وتحمل آلة التغلغل مختبراً صغيراً يحلل نماذج من التربة بواسطة أشعة الليزر. وتحفر ذراع آلية، طولها 6 أقدام ونصف الى عمق قدم ونصف تحت سطح المريخ، وتلتقط نماذج تضعها في أداة التحليل. وتقوم 8 أفران بتسخين المواد المستخرجة الى درجة 900 مئوية للكشف عما إذا كانت التربة تحتوي على ماء أو مواد معدنية. وترصد مجسات المركبة الجو على ارتفاعات مختلفة الى ارتفاع يبلغ 6 أقدام ونصف. وتصور كاميرات في المركبة النماذج وتلتقط صور ستريو للسطح، وترصد أداة ضوئية السطح بحثاً عن الجليد وغيوم الغبار. ويقوم جهاز الاتصالات في المركبة بايصال المعلومات الى الأرض. وتستهدف هذه الدراسات معرفة امكانية وجود حياة على الكوكب، وما اذا كان من الممكن ارسال رواد فضاء يعتمدون على موارد الكوكب الطبيعية لمساعدتهم على تحمل البيئة القاسية للمريخ والانطلاق منه لاستكشاف الكواكب الاخرى.