يبتسم حسين خليل 55 عاماً بمرارة وهو يصغي الى ترجمة فورية تبثها الاذاعة الاسرائيلية لتصريحات وزيرة الخارجية الاميركية مادلين أولبرايت تشيد فيها بقرار رئيس الحكومة الاسرائيلية ايهود باراك"تجميد" عمليات بناء الوحدات السكنية الاستيطانية، ويبقى الشعور بالمرارة - ربما بجرعات أكبر - وتتلاشى الابتسامة عندما تعلق ابنته سامية على المسألة بقولها ان "التجميد لمدة شهرين فقط ولا يشمل مستوطنتي معاليه ادوميم وغوش عتصيون. يشخص خليل بنظره الى مستوطنة معاليه أدوميم التي تزحف بتسارع كبير في جميع الاتجاهات فوق التلال المشرفه على قرية العيسوية وهو يقف فوق ركام جزء من البيت الذي شيده بيديه وبمساعدة أفراد عائلته ليوفر مأوى في بيته الصغير لابنته سامية التي عادت الى البيت بصحبة طفلها ياسين بعد زواج فاشل استمر خمس سنوات. ويقول بعد صمت قصير: "يعطون انفسهم الحق في أن يتمددوا وأن يعمروا فوق أراضينا، أما نحن فلا نملك حتى أن نضيف غرفة الى بيوتنا التي بنيناها على أرضنا نحن ولم نسرقها من أحد". ويضيف بسخرية: "هم يتكاثرون ونحن محظور علينا التكاثر"، في اشارة الى تبريرات رؤساء الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بشأن التوسع الاستيطاني اليهودي في الضفة الفلسطينية المحتلة. يعيش خليل مع زوجته وبناته الثماني وأولاده الخمسة في بيته الصغير في طرف القرية المطل على أفق بات يضيق شيئاً فشيئاً بسبب مستوطنة معاليه أدوميم. وأضيفت عائلته قبل اسبوعين الى قائمة ضحايا الجرافات الاسرائيلية المتخصصة في هدم منازل الفلسطينيين وتجريف أراضيهم في غير مكان لتشييد مستوطنات فوقها. الجرافات الاسرائيلية هدمت منذ مطلع العام الجاري 23 منزلاً فلسطينياً في محيط مدينة القدس نفسها و "حبل" قائمة البيوت الفلسطينية المهددة بالهدم "على الجرار" ويقدر عددها حسب مصادر فلسطينية بستة آلاف منزل، فيما تقول بلدية القدس الغربية إنها 2000. ويشير تقرير منظمة العفو الدولية أن 5000 فلسطيني باتوا مشردين من دون مأوى نتيجة سياسة هدم البيوت التي تنتهجها الدولة العبرية ضد الفلسطينيين. ويقول الحقوقي الفلسطيني نجيب أبو رقية الذي يعمل لدى منظمة "بتسيلم" الاسرائيلية التي تراقب الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الانسان الفلسطيني أن المخطط المنهجي الذي تتبعه اسرائيل ازاء الارض الفلسطينية ذو خطين، الاول والأخطر هو الاستيطان بالاستيلاء على الارض، ويؤدي الى الثاني وهو الحد من النمو العمراني الفلسطيني للابقاء على أكبر مساحة من الارض "نظيفة من السكان الاصليين" ولذلك تقوم اسرائيل بهدم ما يمكن هدمه من "البيوت الفلسطينية". الفلسطينيون لا يصدقون ما قاله ايهود باراك بشأن "تجميد" البناء في المستوطنات الاسرائيلية لسبب بسيط هو أنهم حتى في اللحظة التي كانت فيها أولبرايت تتحدث الى الصحافيين في مؤتمر صحفي مشترك مع باراك، لم تتوقف الجرافات عن الحفر ولا خلاطات الاسمنت عن الدوران لا في معاليه أدوميم التي تعتبرها حكومة باراك جزءاً من "عاصمتها" القدس، ولا حتى في مستوطنات أقيمت في عمق مدن الضفة الغربية الاخرى مثل "كوهاف يعقوب" و"بسغوت" المقامتين على أراضي مدينة البيرة وسط الضفة الغربية. وربما لا يعتبر باراك مصادرة الاراضي الفلسطينية وابتلاعها بغرض شق "الشوارع الالتفافية" للمستوطنات جزءاً من التوسع الاستيطاني. فقد أعلن "مجلس التنظيم الأعلى" الاسرائيلي عن مصادرة 432 دونماً من أراضي قرية دورا قضاء الخليل بهدف شق شارع يربط بين مستوطن "ناحا نجهوت" العسكرية ومقطع شارع بيت عوا الذي أقامته قبل عام. وفي المستوى الرسمي الفلسطيني لا يعتقدون بأن مسألة الاستيطان "انتهت" بتصريح باراك الأخير. ورأى نبيل عمرو وزير الشؤون البرلمانية مستشار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في تصريحات باراك "انحناء لعاصفة قوية الهدف منه استيعاب ضغوط محتملة من اولبرايت". وأوضح ان موقف السلطة الفلسطينية لم ولن يتغير، إذ "يجب وقف كل النشاطات الاستيطانية تماماً وليس تجميدها وهذا أحد شروط استمرار المفاوضات". وأكد عمرو ل"الحياة" أن الجانب الفلسطيني لم يبلغ رسمياً بقرار باراك وأن المشكلة "أن الحكومة الاسرائيلية لا تتعامل معنا كشركاء، ويسمعنا باراك قراراته عبر وسائل الاعلام".