يتفق عدد من المراقبين في كمبالا على ان "التجمع الوطني الديموقراطي" السوداني المعارض يمر بمنعطف اساسي في تاريخ معارضته لنظام الحكم في الخرطوم، وذلك منذ توقيع اتفاق جيبوتي بين حزب الأمة والحكومة السودانية في 25 من الشهر الماضي. وربما يكون اجتماع هيئة قيادة "التجمع" الذي بدأ امس في كمبالا هو آخر اجتماعاته. ومن ابرز المشاركين في الاجتماع رئيس "التجمع" السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديموقرطي، والأمين العام لحزب الأمة الدكتور عمر نور الدائم وعضو هيئة القيادة في "التجمع" الذي يترأس وفد حزبه بعد اعتذار رئيس الحزب الصادق المهدي عن الحضور. ورئيس "الحركة الشعبية لتحرير السودان" العقيد جون قرنق. مواقف احزاب "التجمع الوطني" تبدو متباينة او بالأصح متعارضة، ويبدو ان التوفيق بينها صعب جداً ان لم يكن مستحيلاً. وأجواء ما قبل الاجتماع كانت متوترة وغامضة في الوقت نفسه، والحديث بين الأطراف المختلفة وان بدا ودياً الا ان العصبية كانت ظاهرة. وزاد من توتر الأجواء والارباك الاعتذار المفاجئ للصادق المهدي رئيس حزب الأمة ومبارك المهدي مسؤول العمل الخارجي في الحزب الامين العام ل"التجمع" في اللحظات الاخيرة، ما حمل بعض المشاركين على اعادة ترتيب اوراقهم والاستعداد لأسوأ الاحتمالات. كما يتغيب عن الاجتماع العميد عبدالعزيز خالد قائد "قوات التحالف" السودانية. واللافت بروز المواقف المتباعدة من اتفاق جيبوتي بين الثلاثة الكبار "الأمة" و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" و"الاتحادي الديموقراطي". فحزب الأمة يرمي بثقله خلف الاتفاق ويؤكد امينه العام الدكتور نور الدائم ان الاتفاق لا يخالف اي بند من بنود اتفاق القضايا المصيرية الذي اعلن في اسمرا العام 1995، والاتفاقات الاخرى. وان رفض بعض اعضاء "التجمع" لا يستند الى أساس منطقي. "الحركة الشعبية" بقيادة جون قرنق تعتقد ان اتفاق جيبوتي خروج على اتفاقات المعارضة وانها الحركة الشعبية غير معنية بالاتفاق لأنها ليست طرفاً فيه. اما "الاتحاديون" فاختلفوا في ما بينهم على الموقف من الاتفاق فبعد مشاركتهم في ادانة الاتفاق ورفضه كلياً من خلال اجتماع "التجمع" في القاهرة اخيراً عادوا وأكدوا عبر تصريح احد قادتهم فتح الرحمن شيلا ان الميرغني لا يساند المواقف المتشددة التي اتخذها "التجمع" ضد حزب الأمة. اللقاء الوحيد الذي عقد قبل افتتاح الجلسات الرسمية كان مساء اول من امس، بين الميرغني وقرنق لم يبحث سوى في موعد افتتاح الاجتماع الرسمي الذي بدأ امس. وباستثناء هذا اللقاء لم تعقد اي اجتماعات ثنائية على هامش الاجتماع ما يعني ان كل فصيل يدّخر ما لديه الى المناقشات الرسمية. وكان "التجمع" في اجتماعات سابقة يعوّل كثيراً على اللقاءات الجانبية لحلحلة القضايا والتوصل الى حد أدنى من الاتفاقات وتأتي الجلسات الرسمية لتوثيقها. ويشارك في اجتماعات "التجمع" وفد اميركي للمرة الاولى، ويقوده مسؤول قسم شرق افريقيا في الخارجية الاميركية مسؤول ملف "ايغاد" في السفارة الاميركية في نيروبي. كما يمثل ليبيا السفير الشحومي وكيل وزارة الخارجية ومصر السفير رضا بيبرس مسؤول ملف السودان في الخارجية المصرية. السيناريوات حزب الأمة يؤكد ان وفده جاء الى الاجتماع "بقلب مفتوح"، ويعتقد مراقبون قريبون الى الحزب بأن الصادق المهدي ومبارك الفاضل ربما يشاركان في الجلسة الختامية في حال اتخذ الاجتماع مساراً يرضى عنه الحزب. اما اذا اصطدمت الأطراف وتبين ان التوصل الى اتفاق سياسي مستحيل فلن يحضرا. "الحركة الشعبية" ترى ان الخروج من المأزق هو تجاهل اتفاق جيبوتي ويجب ايجاد مخرج عبر وساطة "ايغاد" باضافة المعارضين الآخرين الى وفدها خلال مفاوضته مع الحكومة. وهو التصور نفسه الذي اقترحه الاميركيون والذي يعتقد بأن الوفد الاميركي سيعرضه على قوى المعارضة وسيطلب منها الانضمام الى وفد تقوده "الحركة الشعبية" للتفاوض مع نظام الخرطوم تحت مظلة "ايغاد" ويرفض حزب الأمة هذا الموقف. "قوات التحالف السودانية" تحتج على الشكل الاجرائي لاتفاق جيبوتي بينما يقف الحزب الشيوعي السوداني كأحد المتشددين الرافضين للاتفاق شكلاً ومضموناً، ويعتبر ان حزب الأمة "خان شركاءه" في التجمع. فاروق ابو عيسى الناطق الرسمي للتجمع أعلن عن اسفه لعدم حضور المهدي، مشيراً الى "ان حضوره كان سيعطي الاجتماع دفعاً قوياً للتوصل لاتفاق". واعرب عن تفاؤله وقدرة السياسيين السودانيين للخروج من هذا المأزق.