تتعانق كنيسة البشارة والجامع الابيض في الناصرة في فلسطينالمحتلة منذ عقود كثيرة ويتلاحم المسلمون والمسيحيون في بوتقة الاخوة والتعاون كعائلة واحدة. والأرض التي سببت الخلاف موجودة ايضاً منذ عقود كثيرة. إذاً لماذا ثار الخلاف؟ الخلاف خلقته اسرائيل بأن سربت معلومة ان الارض التي ازيلت عنها المدرسة الهاشمية التي كانت اآلة للسقوط هي ارض وقف اسلامي. تلقف المسؤولون عن الوقف الاسلامي في الناصرة هذه المعلومة وتنادوا الى اقامة جامع عليها. وسربت اسرائيل كذلك الى القائمين على كنيسة البشارة، ان الأرض التي ازيلت عنها المدرسة هي امتداد للساحة الشرقية لكنيسة البشارة. وهكذا ثار الخلاف وتدخلت اطراف متعددة فيه من ضمنها السلطة الوطنية الفلسطينية التي سمحت لها اسرائيل بالتدخل مع ان مدينة الناصرة تعتبر جزءاً من دولة اسرائيل وسكان الناصرة سواء المسلمين او المسيحيين يعتبرون "مواطنين اسرائيليين" ويحملون الجنسية الاسرائيلية ويُسمون مجازاً "عرب اسرائيل" اي ان كلهم في الهم شرق. المهم انه بعد اخذ ورد تدخلت اسرائيل عن طريق وسطاء يقولون مرة ان هذه الارض وقف اسلامي منذ العهد العثماني ومرة يقولون انها مجرد قبر لعلاّمة اسلامي وليست وقفاً، حتى وصل الأمر للقضاء الاسرائيلي الذي اصدر قراراً عائماً بأن الأرض قد تكون وقفاً وقد لا تكون وقفاً. السلطات الاسرائيلية عمدت الى اصدار قرار بالموافقة على بناء الجامع ثم علقت موافقتها على قرار لجنة تقصي الحقائق. ولكن لجنة تقصي الحقائق لم تصدر اي قرار. كذلك سمحت اسرائيل في الوقت نفسه لكنيسة البشارة ان تعتبر هذه الأرض جزءاً من الساحة الشرقية للكنيسة. وتأجج الخلاف ووصل الى الفاتيكان، وسُرّب خبر عن طريق الاعلام الاسرائيلي ان "بابا الفاتيكان" صرّح بأنه لن يزور الناصرة اذا ما تم انشاء الجامع مقابل كنيسة البشارة. ولكن الفاتيكان كذّب هذا الخبر جملةً وتفصيلاً. ولا زال الخلاف مستعراً تغذيه اسرائيل بالزيت والفتيل. ولكن ما مصلحة اسرائيل في هذا الخلاف؟ اسرائيل لها اهداف اكبر وأعمق من الخلاف على قطعة ارض يتنازعها المسلمون والمسيحيون. اسرائيل تسعى الى ايصال معلومات مغلوطة لتهيئة الرأي العام العالمي لتقبل أمرين: الأمر الأول، ان المسلمين لا يتورعون عن اقامة مساجدهم على كنائس مسيحية او معابد يهودية، واكبر دليل على ذلك العثمانيون الذين حولوا كنائس ومعابد في المناطق التي احتلوها الى جوامع، وأهم شاهد لا زال ماثلاً للعيان كنيسة ايا صوفيا في اسطنبول وكذلك معبد موسى اللذان حولهما العثمانيون الى مساجد ثم حولتهما الدولة التركية العلمانية إبان حكم مصطفى اتاتورك الى متاحف. وهذه المعلومات تهدف الى امر خطير يُروج له الاعلام الاسرائيلي منذ مدة وهو انه ما دام المسلمون يقيمون مساجدهم على الكنائس والمعابد اذاً فما هو المانع من ان يكون الجامع الأقصى في القدس قد أُقيم على انقاض المعبد اليهودي هيكل سليمان، ذلك انه حسب ما يقولون في اعلامهم خصوصاً ندوات الطاولة المستديرة فان المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله والمذكور في القرآن الكريم هو هيكل سليمان لأن الاسلام عند نزول هذه السورة لم يكن قد وصل الى القدس. والله تعالى لا يبارك حول مكان الا ان يكون معبداً يُعبد فيه. والأمر الثاني، ان المسلمين والمسيحيين لم يستطيعوا الاتفاق حول ادارة قطعة ارض صغيرة، لذلك فانهم غير مؤهلين لادارة الأماكن المقدسة في مدينة القدس. هذا ما تهدف اليه اسرائيل من وراء تأجيج الخلاف على قطعة الأرض وتحويله الى صراع. تهدف الى هدم المسجد الأقصى واقامة هيكل سليمان على انقاضه، وكذلك ان تكون الولاية لها على المقدسات في مدينة القدس. وعلينا ان نكون بعيدي النظر ونفوّت على اسرائيل أهدافها الخطيرة بحل هذا الخلاف في اطار الاخوة الاسلامية - المسيحية الباقية الى الأبد. سامي محريز