تحول قرار رئيس الوزراء المغربي السيد عبدالرحمن اليوسفي تكريم وزير الداخلية السابق السيد ادريس البصري الذي كان مقرراً امس جدلاً سياسياً واسعاً، في وقت بدا فيه ان اقالة الرجل القوي منذ حوالى شهر لا يزال يلقي بظلاله على التطورات السياسية في البلاد. وفيما اختار البصري الانزواء بعيداً عن الاضواء يمارس لعبة الغولف المفضلة لديه ويرتب اوراق التدريس الجامعي، ابدت الاوساط السياسية مزيداً من الاهتمام بمبادرة اليوسفي. وكتبت صحيفة "العلم" التي يصدرها الاستقلال المشارك في الحكومة امس: "نتحدى الحكومة ان تكتب لنا على ورقة بيضاء سطوراً عن خدمات الرجل اي البصري" تقديراً لخدماته لفائدة الدولة، في حين طالبت تنظيمات للشباب بمعاودة النظر في القرار. وهذه المرة الاولى التي يثار فيها جدل سياسي في شأن لفتة تقدير لوزير سابق، اذ سبق لليوسفي ان اقام حفلة تكريم لسلفه الدكتور عبداللطيف الفيلالي من دون اي اعتراض. وتشير اوساط عدة الى ارتباط الفترة التي قضاها البصري في وزارة الداخلية بالانتقادات التي كانت توجه الى الاستحقاقات الانتخابية، خصوصاً من احزاب المعارض السابقة. بيد ان مصادر حزبية قالت ان دور الوزير السابق في ابرام ميثاق الشرف حول نزاهة الانتخابات في 1997 اسهم الى حدّ كبير في اعداد انتقال هذه الاحزاب الى المسؤولية الحكومية، مما يعني ان دلالات التكريم تنصرف الى ابراز دور البصري في الفترة السابقة، خصوصاً انه اكد ان الانتقال تم بارادة الملك الراحل الحسن الثاني. واتهمت احدى الصحف المستقلة الزعامات النقابية التي انسحبت من "الحوار الاجتماعي" انها موالية للبصري، في اشارة الى حضوره المؤتمر الاخير للكونفيديرالية الديموقراطية للعمل التي يتزعمها النقابي نوبير الاموي. لكن مصدراً نقابياً نفى ان تكون المركزيات النقابية طرفاً في اي صراعات حكومية. الى ذلك انتقد مسؤول حكومي صيغة الحوار الاجتماعي التي ادت الى انسحاب اهم المركزيات النقابية. وقال وزير العمل السيد خالد عليوة ان هذه الطريقة "لم تعد ملائمة"، وان الحكومة تسعى الى معاودة النظر في اسلوب التفاوض مع "الفرقاء الاجتماعيين"، واعرب عن اسفه لانسحاب المركزيات النقابية في جولة كانت تعتبر نهائية على طريق الاتفاق على معالجة الملفات المهنية والاجتماعية، داعياً المركزيات النقابية الى حصر المطالب "كي تتم الاستجابة لها بدقة". وعزا انسحاب الاتحاد المغربي للعمل الذي يتزعمه المحجوب بن الصديق "لاعتبارات ذاتية"، واصفاً انسحاب الكونفيديرالية الديموقراطية بأنه "لغز". واعتبرت مصادر نقابية كلام الوزير بأنه انتقاد صريح لموقف الاموي الذي هو عضو قيادي في الاتحاد الاشتراكي الذي يتزعمه اليوسفي. لكن الاموي اشار مرات عدة الى استقلال النقابة عن الحزب. ووجه منذ اليوم الاول لتشكيل الحكومة انتقاداً صريحاً للتحالفات التي ادت الى "اقحام" شخصيات عرفت بمواقفها المعادية من العمل النقابي في تشكيل الحكومة. ومن جهته وصف الاموي موقف الحكومة بأنه يدعو الى القلق ولا يفيد في الانكباب على درس الملفات الاجتماعية العالقة. وترصد اوساط عدة تداعيات الموقف الاجتماعي، في ضوء مواقف المركزيات النقابية التي سبق لها ان نفّذت اضرابات عامة عن العمل في بداية التسعينات شلّت الحركة الاقتصادية واسفرت عن قلاقل مدنية، في حين دعت نقابات للتعليم الى تنفيذ اضراب عام في القطاع اليوم، مما ينذر بتصعيد المواجهة بين الحكومة والمركزيات النقابية، وتعتبر هذه التطورات برأي اكثر من مراقب اول امتحان صعب تواجهه حكومة اليوسفي منذ تشكيلها في آذار مارس 1998.