مع بدء وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت جولة جديدة في المنطقة اليوم وبقاء نحو سنة من الولاية الثانية للرئيس بيل كلينتون الذي طالما أعلن عن رغبته في تحقيق سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط قبل انتهاء رئاسته، تستحق تطورات العملية السلمية وقفة تأمل لمعرفة ان كان أمل كلينتون هذا الذي تشاطره اياه شعوب المنطقة وحكوماتها سيتحقق بمواصفاته السابقة الذكر، العدل والشمولية والديمومة. على المسارين السوري واللبناني ما زالت عقدة الاساس الذي يمكن ان تستأنف المفاوضات السورية - الاسرائيلية بناء عليه مستمرة، وتتمثل في اصرار دمشق على ان هذا الاساس يجب ان يكون اقرار حكومة باراك بأن قرار مجلس الأمن يقضي بانسحابها من هضبة الجولان السورية المحتلة الى حدود 4 حزيران يونيو 1967، فيما يرفض باراك تقديم هذا الإقرار وفقاً لما بات يسمى "وديعة رابين". وبرغم كثرة الوسطاء الذين حاولوا ويحاولون التقريب بين الموقفين السوري والاسرائيلي واشنطن، واللورد مايكل ليفي مبعوث رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، والرئيس الفرنسي جاك شيراك ومبعوثه وزير الخارجية هوبير فيديرين، ورئيس جنوب افريقيا السابق نلسون مانديلا وغيرهم، فإن المسألة بالنسبة الى سورية لا يمكن ان تكون مساومة على الأرض المحتلة أو السيادة، ويظل موقفها مستنداً الى ان الانسحاب الكامل يتبعه سلام كامل وعلاقات عادية وترتيبات أمنية متكافئة في جانبي الحدود. في الجانب الاسرائيلي قال باراك أمس انه سيرجئ مسألة بت الانسحاب من الجنوب اللبناني الى الربيع المقبل مع تمسكه بالانسحاب في تموز/ يوليو 2000 ليبقي نافذة الفرصة مفتوحة أمام اتفاق مع سورية. ويدرك باراك بالطبع، وكما أكد تقرير قدمته اليه الاستخبارات العسكرية قبل أيام ونشرت الصحف العبرية فحواه الأساسية، ان انسحاباً من الجنوب اللبناني من دون اتفاق قد يشعل المنطقة الحدودية مستقبلاً اكثر من أي وقت سابق، بل وقد يؤدي الى مواجهة عسكرية مباشرة مع سورية، ويمكن ان يعني وصول القصف الصاروخي الى ضواحي حيفا. سيكون الموقف الاميركي الذي تحمله اولبرايت مهماً بالطبع. وقد ذكرت أنباء الاسبوع الماضي، رفضت واشنطن التعليق عليها، مفادها ان ادارة كلينتون وجهت أسئلة الى اسرائيل وسورية على أمل ان تتلقى اولبرايت إجابات عنها خلال جولتها الحالية بهدف ترتيب استئناف المفاوضات. ويبقى ان "وديعة رابين" في جيب الرئيس كلينتون وان على واشنطن ان تقر بمضمونها الحقيقي كما هو مفهوم لدى سورية، بدلاً من محاولة التنصل من ذلك المضمون. أما على الصعيد الفلسطيني فإن ما يحدث على الأرض لا يبشر بتسوية عادلة أو قابلة للدوام. ويكرر المفاوضون الفلسطينيون يومياً ان من غير الممكن مواصلة المفاوضات مع اسرائيل فيما هي تقضم الأراضي الفلسطينية، لكنهم مع الأسف يستمرون في مجالسة خصومهم الذين هم شركاؤهم في مهزلة يأكل فيها القوي الضعيف ويعيد تفسير القرارات الدولية على هواه. ولقد أذعن الاميركيون بصورة واضحة لأهواء حكومة باراك ويكاد يكون من المستحيل التوصل بحلول ايلول سبتمبر المقبل الى تسوية نهائية عادلة يمكن ان يقبل بها الشعب الفلسطيني. بعد أيام تنعقد قمة الاتحاد الأوروبي في هلسنكي ويؤمل ان تطلب القيادة الفلسطينية منها، وان تصدر هي، بياناً يساعد في ضبط موازين القوى تخفيفاً للطغيان الاميركي - الاسرائيلي. ويجب على أوروبا القريبة من منطقتنا ان تبني على بيان برلين وتؤكد ان القرارين 242 و338 هما أساس المفاوضات وينطبقان على قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، وان المستوطنات كلها غير قانونية وتجب إزالتها، وان القرار 194 هو الذي يجب ان يطبق بخصوص اللاجئين، وان حق تقرير المصير للفلسطينيين مقدس لا يخضع للتفاوض. وقد أعلنت بريطانيا أخيراً على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية بيتر هين موقفاً سليماً من قضية اللاجئين، وقال هين انه ينبغي حلها على أساس قرارات الاممالمتحدة. وهذا موقف ينبغي ان تتبناه أوروبا التي يؤمل ان تفترق عن الموقف الاميركي القائل بأن كل شيء يجب ان يخضع للمفاوضات بين الطرفين، وهو موقف يدخل الحمل الضعيف في قفص الوحش الجشع الكاسر.