كانت "عصبة الأمم"، وهي سلف منظمة الأممالمتحدة، من بنات افكار الرئيس الاميركي وودرو ويلسون. فهو صاحب الفكرة ومحامي المشروع الذي كان يريد ان تكون للبشرية هيئة عالمية تضبط اوضاعها وشؤونها، بعد ان انجلت الحرب العالمية الاولى عن سلسلة من الكوارث والتبدلات جعلت زعماء العالم يفكرون ان من بينها ما كان يمكن تفاديه لو ان ثمة نوعاً من التفاهم المسبق بين الأمم. لكن الملفت هو ان عصبة الأمم عقدت اجتماعها الاول والتأسيسي في شهر تشرين الثاني نوفمبر 1920، في غياب ويلسون نفسه، وفي غياب الولاياتالمتحدة الاميركية. ولقد عقد ذلك الاجتماع في جنيف التي ستتخذ مقراً للعصبة. ولكن لماذا غابت اميركا وغاب رئيسها؟ لسبب بسيط وهو ان تأسيس "العصبة" جاء ضمن اطار معاهدة فرساي. وهذه المعاهدة عرضت على مجلس الشيوخ الاميركي ثلاث مرات للموافقة عليها لكنه لم يفعل. لذلك ظلت الولاياتالمتحدة خارج العصبة. ومع ذلك فان ويلسون كان يراقب الافتتاح من بعيد ويبدي رضاه عن منظمة دولية غايتها، في حلمه ان تعمل "في سبيل نزع السلاح على الصعيد العالمي" "منح شعوب الأرض حق تقرير مصيرهم بأنفسهم" وتوصل الى افضل علاقات وتفاهم بين "العمال واصحاب الرساميل". وكان على الدول الاعضاء في "العصبة" ان تخدم استقلال وحدود بعضها البعض، وان تخضع كل خلاف الى النقاش والتحكيم الدولي والمحايد. وعلى عكس الهيئات الدولية السابقة، كان على العصبة" ان تضم كل أمم الأرض. المهم تأسست العصبة يومها على تلك الشاكلة وتبعاً لتلك الاهداف، ولسوف تظل قائمة حتى الحرب العالمية الثانية التي اسفرت عن قيام هيئة جديدة هي "منظمة الاممالمتحدة" حلت محلها، علماً بأن "العصبة" لم تتمكن ابداً من حل المشكلات التي قامت اصلاً لتحلها.