لم يكن من قبيل الصدفة ان يبدأ تفتيت المنطقة العربية بإعلان الجنرال الفرنسي غورو قيام دولة لبنان الكبير يوم 31 آب اغسطس 1920، ومن ثم يعلن "استقلال لبنان" في اليوم التالي وسط احتفال صاخب حضره مفتي المسلمين مصطفى نجا وبطرك الموارنة الياس الحويك. والحال ان غورو، رغم ما ظهر عليه يومها من أنه الحاكم الفرد المستبد بأمره في المسألة اللبنانية، كان يعمل مباشرة بتوجيه رئيس الحكومة الفرنسية ميللران، الذي كان قد كتب قبل أسبوع من ذلك رسالة بعث بها الى المطران عبدالله الخوري يقول فيها: "ان ما تسعى اليه فرنسا هو انشاء لبنان الكبير، وضمان حدوده الطبيعية التي تمتد من جبال عكار في الشمال الى حدود فلسطين في الجنوب، بما في ذلك مدينتا طرابلسوبيروت". غورو، حين عزم على حل المسألة اللبنانية، كان شديد التأثر بنزعة استعمارية كانت ما تزال شديدة الفعالية في دوائر الحكم، كما في اجهزة الاعلام في فرنسا. وهكذا، وخلافاً لروح الانتداب وأهدافه، وبمعزل عن رأي ومصالح فريق كبير من السكان، اصدر الجنرال غورو منذ الثالث من شهر آب سنة 1920 سلسلة قرارات أهمها: أ - قرار رقم 299 تاريخ 3 آب 1920، قضى بفصل اقضية حاصبيا وراشيا والمعلقة البقاع وبعلبك عن ولاية دمشق وضمها الى لبنان فيما يتعلق بنظامها الاداري. ب - قرار رقم 318 تاريخ 30 آب 1920، نص على اعادة لبنان الى حدوده الطبيعية وتشكيل "دولة لبنان الكبير" التي تضم لبنان المتصرفية وأقضية بعلبك والبقاع وراشيا وحاصبيا وأقسام ولاية بيروت التالية: سنجق صيدا عدا ما الحق منه بفلسطين، سنجق بيروت، أقسام سنجق طرابلس المتضمنة قضاء عكار في مناطقه الواقعة جنوب النهر الكبير، قضاء طرابلس مع مديريتي الضنية والمنية، والقسم من قضاء حصن الأكراد الواقع جنوبالحدود الشماليةللبنان الكبير. ج - قرار رقم 320 تاريخ 31 آب 1920 الذي قضى بحل مجالس ولاية بيروت. د - قرار رقم 321 تاريخ 31 آب 1920 الذي قضى بالغاء النظام الاداري في متصرفية جبل لبنان ومجالسه". ومن الواضح ان هذين القرارين الاخيرين يعتبران الاعلان الحقيقي عن تأسيس لبنان الكبير. وهذا ما جعل تاريخ 31 آب اغسطس يعتبر تاريخ تأسيس هذه الدولة التي سرعان ما تبين ان استقلالها المعلن لم يكن سوى استقلال صوري، اذ ان المفوض السامي الفرنسي ظل يحكم لبنان بصورة مباشرة وفعلية وقانونية حتى 23 أيار مايو 1926، حين اعلن من جديد عن لبنان كدولة مستقلة، وكف عن أن يحمل اسم "لبنان الكبير". يومها وضع للبنان دستور أتى مطابقاً، تقريباً، لدستور الجمهورية الفرنسية الثالثة.