من المؤكد أن قضية طائرة "مصر للطيران" التي سقطت نهاية تشرين الاول اكتوبر الماضي قبالة السواحل الاميركية ستكون على رأس الموضوعات التي ستطرح على طاولة النقاش خلال الزيارة التي ستقوم بها وزيرة الخارجية الاميركية للقاهرة قريباً. فحجم الكارثة وضخامة الفجيعة والزخم الإعلامي الذي أحاطها والتداعيات التي أحدثتها اساليب تعاطي وسائل الإعلام في البلدين، جعلت القضية لا تقل أهمية عن قضايا أخرى ظلت المحادثات والنقاشات بين المسؤولين الاميركيين والمصريين تركز علىها، مثل قضية الشرق الأوسط وملفات العلاقات مع السودان والعراق والقرن الافريقي وليبيا إضافة بالطبع الى الحديث عن العلاقات المصرية - الاميركية، والتعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. ومنذ خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية جيمس روبين على الصحافيين ببيان مقتضب انتقد فيه تسريب معلومات من جانب بعض جهات التحقيق الاميركية الى وسائل الإعلام بدا أن القضية تدور في حلقة مفرغة. وصار الطرفان يلفان ويدوران حول الكلام ذاته، ودفع الفراغ الذي عانته وسائل الإعلام في الطرفين جراء توقف التسريبات وعدم إعلان النتائج النهائية للتحقيقات، كلا الطرفين الى ترديد الاتهامات والحجج والنظريات ذاتها، فالإعلام الاميركي ما زال يجتهد في البحث عن أدلة لتثبيت الاعتقاد بأن الطائرة المنكوبة سقطت بفعل إقدام مساعد الطيار جميل البطوطي على الانتحار، والإعلام المصري ما زال يصر على توجيه أصابع الاتهام الى جهات عدة على رأسها جهاز الاستخبارات الإسرائيلية موساد، أو تأكيد أن الطائرة تحطمت بفعل صاروخ اطلق بالخطأ من إحدى القواعد الاميركية فأصاب ذيل الطائرة. لكن شعوراً يسود حالياً في الأوساط المصرية بأن النتائج النهائية للتحقيقات ستعكس مواقف سياسية اكثر منها مواقف قانونية. وعلى رغم حرص الطرفين علي مصالحهما فإن التوصل الى صفقة بينهما ما زال أمراً بالغ الصعوبة لكون القضية خرجت عن إرادة الحكومات ودخلت فيها أطراف أخرى. فالعالم العربي والإسلامي لن يقبل أن يستخدم الاميركيون قضايا دينية لتبرير الجريمة إذا كانت هناك جريمة وعلى ذلك فإن الرد لن يكون مصرياً رسمياً وشعبياً فقط، وإنما سيمتد وتتسع رقعته لتشمل كل العرب والمسلمين. والاميركيون أنفسهم شعروا بخطورة الأمر وسارعوا الى السيطرة عليه، لكن تظل حقيقة أن كل طرف يحاول إبعاد تهمة الإهمال أو التقصير وبالطبع التعمد عن نفسه. فالطرف الذي ستحمله التحقيقات المسؤولية سيجد نفسه مجبراً على دفع تعويضات لأسر الضحايا الذين بدأ بعضهم بالفعل إجراءات للسير في قضايا أمام المحاكم الاميركية لذلك الغرض. والمؤكد أن الأمر سيكون بالنسبة لشركة "مصر للطيران" كارثة مالية، وهو بالطبع سيكون كذلك بالنسبة لشركة "بوينغ" ليس فقط لارتفاع قيمة التعويضات ولكن أيضاًَ لما سيترتب عليه من اهتزاز للسمعة والمكانة بين الشركات الأخرى. والمؤكد أن الطرفين سيذهبان الى اقصى مدى حتى تنتهي التحقيقات الى أبعد نقطة بالنسبة لصالحهما، لكن في الوقت ذاته فإن الاطراف الأخرى لن يكون من السهل إبطال مفعولها، ولعل ذلك ما جعل الاميركيين يتغاضون عن رغبتهم الجامحة في الاسراع بإحالة القضية على مكتب التحقيقات الفيديرالي اف. بي. آي بعدما رأوا أن المسألة أكبر من مجرد حادثة وأن للسياسة دوراً فيها. فما دام هناك ركاب فمن الضروري الإجابة على تساؤلات: من هؤلاء؟ ولماذا كانوا على هذه الطائرة بالذات؟ وهل هناك احتمالات لاستهداف أحدهم أو مجموعة منهم؟ وهي اسئلة طرحها الطرف المصري وأصر على ضرورة الاجابة عليها. ويبقى أن الاوساط الشعبية في مصر لن تقبل الا برد الاعتبار الى البطوطي وعائلته وبالتالي فإن أي صفقة لا بد وأن تمحو ذلك الشعور الذي ساد بين المصريين لفترة طويلة، وهم يرون اسرة الشهيد وقد اضطرت الى ان تنفض عن نفسها مشاعر الحزن لتتفرغ للرد على ما اثير حوله.