تجاوز الحكم على الفنان اللبناني مارسيل خليفة، في دعوى "تحقير الشعائر الدينية"، حدّ تبرئته، الى نصرته وتأييد وجهة نظره. فاعتبر انه انشد قصيدة الشاعر محمود درويش "أنا يوسف يا أبي" المتضمنة مقطعاً من آية في "سورة يوسف" القرآنية "بوقار ورصانة ينمّان عن إحساس عميق بالمضمون الإنساني الذي عبّرت عنه القصيدة، بأداء لا يحمل أي مسّ بقدسية النص القرآني أو ما يسيء إليه أو إلى مضمونه، ولا ينم عن قصد الحث على الإزدراء به، لا تصريحاً ولا تلميحاً، عبر الألفاظ أو المعاني أو النغم". وبذلك تكون القاضية المنفردة الجزائية في بيروت غادة أبو كروم توافقت، في حكمها الصادر أمس في هذه الدعوى المثارة منذ 29 آب أغسطس 1996، مع ما أعلنه خليفة 49 عاماً في هذا الشأن غير مرة، وما انتصر له فيه سياسيون ومثقفون وجميعات وأحزاب ومواطنون عاديون، في لبنان والدول العربية، وحتى في العالم، وبالتالي مع "الشعب اللبناني" الذي تصدر الأحكام القضائية باسمه. وخليفة الذي لم يحضر أمس الى قصر العدل في بيروت حيث احتشد عشرات من المواطنين تأييداً له، كان لحظة لفظ الحكم في مطار بيروت يستعد للسفر الى تونس لإحياء حفلتين ضمن "مهرجان المدينة"، محاطاً بجمع من الصحافيين والمصوّرين أكد لهم ول"الحياة"، بعد إعلان براءته "اني أشعر بالسعادة من اجل القضاء اللبناني الذي برّأ نفسه من قرار ظني وضعه في قفص الإتهام بصفته قامعاً للحرية والثقافة والفن. أشكر جميع المواطنين في لبنان والعالم العربي والعالم الذين بمساندتهم قضيتي، كانوا يدافعون عن حق الإنسان في الحرية والثقافة والفن". وقال، بسخرية، "أسافر الى تونس، لأمثّل لبنان، كمواطن صالح، لا كمجرم"، موضحاً ل"الحياة" ان ما حصل "ليس فقط انتصاراً للبنان، إنما للمنطقة بأجمعها. فالسابقة خطيرة أن يمثل فنان أو مبدع امام القضاء لذنب لم يقترفه". سافر خليفة الى تونس، ومن ثم الى باريس لتمضية عطلة الأعياد مع عائلته، بينما تصدر خبر تبرئته نشرات الأخبار في مختلف المحطات الإذاعية والتلفزيونية ووسائل الإعلام الأخرى، وجرى على ألسن كثر من المواطنين. وأبرز ما في الحكم خمس صفحات بخط اليد ان الدعوى اثيرت حين وجهت المديرية العامة للأمن العام في 29 آب اغسطس 1996 كتاباً الى النيابة العامة الإستئنافية في بيروت يفيد "أن الغضب ساد اوساطاً إسلامية في طرابلس شمال لبنان بعدما اعتبرت ان تلحين الآيات القرآنية وتلاوتها على أنغام الموسيقى محرّم شرعاً ويرفضه جميع المسلمين". إلا أن القاضية ابو كروم رأت في حيثيات الحكم "ان المحكمة ليس لها الخوض في البحث هل فعل المدعى عليه خليفة يشكل خروجاً على التقاليد الإسلامية ومحرّماتها، إلا أن الإشارة تقضي بأن المجتمعات الإنسانية عرفت دوماً منذ ظهور الأديان وحتى اليوم، أنماطاً من السلوك طاولت مختلف نواحي الحياة ولم تراعِ دوماً كل القواعد الدينية او تلتزمها، من دون ان يشكل ذلك بالضرورة تعرضاً لقدسية النصوص الدينية التي انبثقت منها هذه القواعد... ولا يمكن اعتبار أي فعل مخالف لأحكام الدين او غير متوافق معها، ممارسة او تعبيراً، فعلاً يمسّ بقدسية النصوص التي وضعت ونظمت هذه الأحكام، توصلاً الى تجريم هذا الفعل، إلا بإخضاعه لنص القانون، عملاً بمبدأ "أن لا جرم من دون نص"، الذي يحكم الشريعة الجزائية اللبنانية...". وتبيّن لأبو كروم بعد عرض الحيثيات ان خليفة انشد القصيدة "بوقار ورصانة ..." معلنة "انتفاء توافر فعل التحقير وقصد الحث على الازدراء" وبالتالي "انتفاء عناصر الجنحة"، فحكمت ب"إبطال التعقبات الجارية في حق المدعى عليه مارسيل طنوس خليفة وبحفظ نفقات المحاكمة". يبقى ان الحكم الذي أفهم وجاهاً قابل للإستئناف. وحتى مساء امس لم يُسجل اي تحرك في اتجاه استئنافه. واستوضحت "الحياة" اوساط دار الافتاء عن موقفها فلم تكن هناك رغبة في التعليق على الحكم، انما قد يصدر بيان لاحقاً.