الكتاب: حصن الاسم... قراءات في الأسماء العربية. الكاتب: جاكلين سوبليه. ترجمة: سليم محمد بركات. الناشر: المعهد الفرنسي للدراسات العربية - دمشق. مازن بلال تعتبر الباحثة جاكلين سوبليه ان اسم الرجل العلم كان في العهد الوسيط يتيماً، فلا تكتمل صيغته الجامعة الا عندما تدون ترجمته، حيث تظهر الأجزاء المتعددة التي يتركب الاسم منها أدواراً مختلفة، ظهرت على مدى حياة الرجل وأطلقت تبعاً للظروف والمقامات، فيما يوضح النسب أحياناً الدلالة الجغرافية حسب ارتحالات الرجل، فالدمشقي الذي يرتحل الى بغداد يسمى هناك الدمشقي فإذا عاد الى بلده أصبح البغدادي، ثم تلتصق به التسميتان، ولكن الملاحظ أنه لا تضاف الى اسم المرء نسبة تعود به الى ما وراء ديار الاسلام، فالاسماء العربية تظهر درجة من التعقيد في تركيبها تقدمه جاكلين سوبليه في كتابها وفق دراسة منهجية، تحاول عبرها قراءة الدلالات للأسماء كما نجدها في كتب التراجم. تبدأ الباحثة موضوعها الأول "صانع الاسم" بتبيان ان اسم العلم العربي في العصر الوسيط حاول استيفاء شرط شمولي، فهناك محاولة لمعرفة كل شيء، وحصر كل شيء، وتسجيل كل شيء في الذاكرة من خلال أعلام الأشخاص، ومن هنا برزت الحاجة الى جمع أسماء الأعلام في أدب تراجمي ازدهر في ديار الاسلام، والاسم كما نجده في تراجم العصر الوسيط يتألف من عناصر عدة: فهناك اسم العلم الذي أطلق على الشخص عند ولادته ويليه النسب، ثم نجد الكنية وهي عنصر يتألف من كلمة "أبو" في حالة المذكر و"أم" في حال المؤنث، واضافة الى الدلالة المباشرة للكنية مثل "أبو أحمد" فانها تحمل أحياناً سمة الملكية مثل "أبو الفضائل" أو "أبو الذهب"، ويأتي بعد الكنية اللقب بالمعنى الشائع أو نتيجة تلقيب رسمي مثل "شهاب الدين"، وبعد ذلك تأتي النسبة وهي عبارة عن صفة تختم بياء النسبة المشددة أو بألف ونون وياء مشددة، وتدل على صلة المرء بمذهب أو مكان أو حدث أو شخص من الأشخاص، ويغلب أن يكون للمرء في تركيب اسمه الكامل عدد من النسب التي تعبر عن اتصاله بفكرة أو اتجاه ديني أو انتمائه الى مذهب، وتفيد النسبة أن الرجل ولد في هذا المكان أو نشأ فيه أو أمضى بعضاً من حياته داخله أو حتى ارتحل إليه، وهذا الاسم المتعدد العناصر يبدو في موسوعات التراجم جملة من البيانات، يمكن عبرها اجتناب الوقوع في فخ الاشتراك أو الخلط بين هويات أشخاص، والملاحظة الأساسية ان الاسم مدى عامودي يمثله الزمن عبر نسب الشخص، وبعد أفقي داخل الألقاب التي حملها الشخص ويرى فيها المؤرخ مصدراً يستقي منه المعلومات. تتطرق الكاتبة في بحثها الثاني الى دخول علاقات النسب الأمومية في أسماء العصر الوسيط، وبعد أن تستعرض في البداية مجموعة من الدراسات المقدمة في هذا الموضوع، تجد أن الانتساب الأمومي يسمح باجتناب الزيجات المحرمة، كما أن دور الاسم أساسي ليحدد الشخص موقعه من شبكة القرابة، فالمرأة المتزوجة ترتبط من حيث الاسم بعائلتها الجديدة، لا لأنها تأخذ اسم زوجها ولكن لأنهم يخاطبونها باسم ولدها وتلاحظ الكاتبة ان الاهتمام بتفاصيل النسب الأبوية والأمومية له علاقة بالمصالح المالية أيضاً، فمنذ عهد الفتوحات كانت الاعطيات توزع وفق مستويين: الأول القرابة من العائلة النبوية، والثانية الى المنخرطين في الجيش، فنشطت بالتالي أبحاث النسب لتعيين من يستحق الأعطية حسب المستوى الأول، وفي المستوى الثاني كان المقاتل يدخل الى الجيش كفرد من قبيلة لها نسبها أيضاً، فيعرف المسؤولون عبر نسبه الى أي قبيلة سيقدمون المال. وهذا الاهتمام بالاسم لم يمنع تبديل الأسماء كما حدث في عصر النبوة، والسبب يعود الى صلة بعضها بالعصر الجاهلي أو عدم وضوح اتصالها بالاسلام، أو حتى لتشاؤم بعضهم من الاسم أو تبديله بعكسه وقام الرسول صلى الله عليه وسلم بتبديل بعض الأسماء وتبعه بذلك عمر بن الخطاب، وخلف الحرص على النسب مشكلة في العصر المملوكي حيث وجد المماليك، وهم حكام البلاد، أنفسهم بلا أسماء واضحة، مما حملهم على اشتقاق بعض الألقاب وتمت نسبتهم الى من يتبعونه من الأمراء، أو وفق مسؤولياتهم التي عملوا بها. وأخيراً تطرح الباحثة موضوع الأسماء الوهمية التي ترد أحياناً عند النسابين أو المهتمين بالتراجم لسد فراغ ضمن النسب. يقدم الكتاب بحثاً خاصاً عن الكنى طارحاً رأي ابن الأثير في هذا الموضوع، إذ يرى أن الكنية ابتدعت عن صلة القربى بين أب وابنه، ويمكن حصر أشكال الكنية في ثلاث مجموعات: - الأولى تعبر عن صلة نسبية، والثانية تكون صدى لاسم الرجل نفسه فهي جناسية أو إطنابية أو احتمالية أو تواترية، والمجموعة الثالثة كنى للتعظيم والافتخار والتفاؤل، وبالنسبة للمجموعة الأولى فعند ولادة الولد الأول واطلاق اسم عليه محمد مثلاً يأخذ الأب كنية أبو محمد، وهناك استثناءات لهذه الحالة مثل أبي سفيان بن حرب الذي عاش في عصر النبوة ولم يكن له ولد يدعى سفيان. - كنى الصدى تشتق حسب طرق ثلاثة فهناك كنية الاشتقاق الصوتي الجناسية فمن علي يشتق أبي العلاء ومن عبدالعزيز كنية أبي العز، والاشتقاق الثاني كنية الإطناب فتأتي من المترادفات والأضداد وتنبع من الاسم نفسه لكنها لا تصاغ من الأصل، وانما ترتبط به من حيث المعنى، وأخيراً الكنى الاحتمالية التي تضاف الى الاسم وتعيد الى الأذهان ذكرى الاباء والابناء المشاهير. - كنى التعظيم وهي ليست متعلقة بالاسم وتأتي للتعظيم أو التفاؤل أو تكون لها علاقة باللقب. وحمل الكنية يمكن النظر إليه كدليل على الانتماء الى الجماعة العربية، وعلى أن الرجل من الأحرار المسلمين، ويدل في حالة أخرى على المكانة الاجتماعية، وهناك تأثير عاطفي بما توحيه الكنية من رفعة شأن باعتبارها عنصراً ديناميكياً في الاسم. في دراسة اللقب تجد الباحثة ميزته في كونه موجزاً لا يشغل سوى حيز محدود عند طباعته على العملة مثلاً، وأن يكون له وقع يثبته في الذاكرة فهو يمثل العنصر الكافي المكتسب الذي يستحق أن يطلق ويتميز بالخصوصية، ويبدو أن القصد الأساسي هو ما يمثله اللقب من "الذكر الباقي" للرجل، واللقب يقوم عادة على نوع من الصورة والمجاز اخترعت لشخص معين مثل "الجاحظ"، وخاصية أخرى للقب هي أنه يندر انتقاله من أب الى أبنائه، وعندما يكون منتقلاً فإن مصنفي التراجم يذكرون ذلك، واللقب يظل عنصراً مهماً بسبب ما يحمله من تنوع أو لجانبه "الحكائي" المرتبط بأسباب اختياره. وبالانتقال الى "النسبة" داخل الاسماء فإن الكاتبة تجد أنها دلالة على الوضع الشخصي سواء بالانتساب الى مكان معين أو مذهب أو ملة، وللمسلمين الأوائل أسماء نسبة تدل على انتمائهم الى جماعة الصحابة مثل "الصحابي" و"الأنصاري"، وعلى هذه الشاكلة تدرس الباحثة تطور اسم النسب عبر العصور وارتباطه بالأمكنة مثل بغدادودمشق، أو بالانتماءات الفكرية مثل "المعتزلي والأشعري"، لتصل في نهاية الكتاب الى نظرية لاسم العلم تعود الى مسلمتين: الأولى مسألة الاسماء كما نجدها في الصفات الإلهية ومسألة الهوية، وهما أمران تمت معالجتهما في البحوث الكلامية داخل الثقافة الاسلامية، مما يعطي الاسم معنى شمولياً مهماً داخل الاسلام فيصبح مركباً ويتطور مع حياة الرجل.