هل من شروط معينة لوصول الأدب إلى العالمية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تنطبق تلك الشروط على الأدب العربي؟ وما هي الآليات التي يمكن أن يعبر الأدب العربي من خلالها الى العالمية؟.. تلك بعض الاسئلة التي جرى النقاش حولها في مؤتمر "الأدب العربي والعالمية" الذي نظمه اخيراً المجلس الأعلى المصري للثقافة في مقره في القاهرة وشارك فيه باحثون وأدباء ونقاد من مصر ولبنان وسورية والسعودية واسبانيا وتركيا والجزائر والعراق والولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا. ودارت أبحاث المؤتمر في محاوره الرئيسة حول مدارات العالمية وعواملها وسبل بلورة استراتيجية فاعلة لها. أما المحاور الفرعية فتناولت جدلية العالمية والمحلية في عصر العولمة، وخريطة انتشار الثقافة العربية، ووضعية اللغة العربية في العالم، والترجمة وحدود العالمية، ومدى انتشار الأدب العربي، وموجات الهجرة الأدبية، ودور الفضائيات وقنوات الاتصال الجديدة في توصيل الأدب العربي الى العالم، وتوظيف الاختلاف الثقافي، والترجمة والنشر والتوزيع، وأخيراً خصائص الكتابة وحدود التلقائية والتخطيط. ونوقشت هذه المحاور في 16 جلسة، وأقيمت ضمن فعاليات المؤتمر 4 موائد مستديرة ناقشت "أدب المهاجر منفذاً للعالمية"، و"دور المستعربين المعاصرين في عالمية الأدب"، و"إشكاليات ترجمة الأدب العربي"، و"عالمية الأدب العربي في عصر العولمة". وفي الجلسة الافتتاحية للمؤتمر تحدث الدكتور جابر عصفور أمين عام المجلس الأعلى المصري للثقافة، معتبراً أن السؤال عن العلاقة بين الأدب العربي والعالمية هو سؤال ينتسب الى نظائره من الاسئلة المتوترة التي تفرضها علاقة عالم متخلف بعالم متقدم. وانتقد عصفور اتخاذ العالمية معاني لا تفارق المركزية الأوروبية - الاميركية لدى العالم الأول، مشيراً إلى أن ذلك يجعلها قرينة دائرة جغرافية لا تفارقها إلا في ما ندر. لكنه لاحظ في الوقت نفسه أن هذه النزعة أخذت أخيراً في التفكك نتيجة عاملين حاسمين، أولهما التقدم الذي أحرزته آداب العالم الثالث التي فرضت نفسها على المشهد العالمي، فانتزعت جائزة "نوبل" في دوراتها الأخيرة اكثر من مرة. ويرتبط العامل الثاني بفلسفات أو تيارات النقد الاوروبية - الاميركية وما صاغته من خطابات جذرية تقوض قواعد الهيمنة، فأفلحت في الكشف عن أوهام المركز الثابت. واضاف أنه لا معنى، على رغم ذلك، عن حديث بشأن عالمية الأدب، فيما نحن نهمل الكثير من آداب العالم الثالث الذي ننتمي اليه، فضلاً عن آداب الصين واليابان وروسيا والآداب الفارسية والأوردية. وتمنى أن يساهم المؤتمر في تأسيس مفهوم مغاير لعالمية رحبة قائمة على التنوع البشري الخلاق، يتجاور فيها اسماعيل كاداري وعزيز نيشين ويوسف ادريس وصادق هدايت مع غارثيا ماركيز وخوسيه ثيلا ونجيب محفوظ، من دون تفرقة بين عالم أول او عالم ثانٍ او ثالث. وفي الجلسة نفسها ألقت المستعربة الروسية فاليريا كير بتشنكو كلمة "نيابة" عن الباحثين الاجانب، فأكدت ان هناك الكثير من المستعربين والمستشرقين يعملون بدأب مدهش لفهم خصوصيات الادب العربي الذي يعبتر جزءاً مهماً في التطور الأدبي العالمي. ثم تحدث كل من جمال شحيد، نيابة عن الباحثين العرب وانور لوقا نيابة عن الباحثين المصريين. وألقى الناقد صلاح فضل كلمة اللجنة المنظمة للمؤتمر، واشار فيها الى ان التواصل الحر هو الطريق للعامية الحقيقية، موضحاً أن في مقابل عولمة احادية مشبوهة ينبغي على الثقافات الغنية ان تحافظ على خصوصيتها وتبرر طموحها المشروع للعالمية. وفي بحث له حول "الثقافة العربية والعالمية" رأى ادوار الخراط ان من غير الممكن الحديث عن الثقافة العربية وواقعها الآن ومستقبلها المتصور، او المستشرف وتحولها الى ثقافة منتجة وخلاقة، بمعزل عن الظروف والاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تمر بها المنطقة، وخصوصاً في الفترة الاخيرة، التي شهدت فيها أحداث جسيمة على المستوى الاجتماعي والسياسي والثقافي، والتي لا تزال في طور المخاض المتصل. وانتقد "واقع القمع والقهر" في الثقافة العربية الحالية، معتبراً أن ذلك مما يحول دون ان تصبح قادرة على الانتاج، ومؤهلة للفكر النقدي الذي يوصل حتماً الى الابداع. ورأى الناقد السعودي سعد البازعي في بحث له، ان الوجوه المتعددة لمفهوم العالمية يمكن أختزالها في وجهين: وجه جوهري متأصل، وآخر عرضي متغير. ولاحظ صبري حافظ أن العقل العربي، وبخاصة في مرحلته الراهنة، تقبل الصورة التي رسمتها اوروبا للعالم، ثم تبناها الغرب عموماً في ما بعد باعتبارها "صورة العالم لا مجرد تصور" بين تصورات عدة له. وأوضح أن ذلك ترك تأثيراً مباشراً على وضع الصورة العامة للثقافة العربية المعاصرة في الغرب. وعلى ما انتابها من تحولات خصوصاً في العقدين الأخيرين. وأكد بيدرو مارتينيث مونتابيث ان ما هو عالمي يرتكز على الاهتمامات الانسانية الاساسية مثل الحب والموت والحرية والمصير والزمن. واشار الى أن النص الأدبي الذي عالج موضوعاً من هذا النوع يستطيع نظرياً وبضمانات أكبر الوصول الى العالمية. ورأى أن الشخصية التي تعكس بإبداع وأصالة هذه المسألة المعقدة في الشعر العربي المعاصر تتمثل في بدر شاكر السياب. ومن وجهة نظر هناء عبدالفتاح، فإن العالمية ليست مجرد شعار شكلي أو سياسي او واقع تحت رهان التصنيف، إنما هو منظور اختيار ووعي بالتراث الثقافي الانساني العام، وولوج المنقول في حدود العالمية إنما يحميه من محدودية المحلية والانغلاق في الذات، والاستمرار في الغاء المنقول. ورأت فاطمة موسى محمود ان اسهام الأدب العربي اليوم في ثقافة عالمية انسانية يقف دونه عاملان: اولهما اللغة، فمن دون الدخول في تفاصيل قضية اللغة العربية وما يدور حول انقسامها الى ما هو شفهي، وما هو مكتوب، هناك ما هو أخطر وهو تفريغ اللغة العربية من محتواها الفكري والمعرفي باستخدام لغات أجنبية على رأسها اللغة الانكليزية في تدريس العلوم والتكنولوجيا وكتابة الأبحاث ومناقشتها. والعامل الثاني يتمثل في الخطاب السائد في العربية اليوم، إذ أن من نتائج تفريغ اللغة من محتواها الفكري، شيوع الخطاب القمعي السلفي.