سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لبنان يحيي الذكرى العاشرة للطائف ... الحسيني يدعو الى تطبيق الإتفاق وحرب الى سد الثغرات . لحود : على الحكم والمعارضة الإسهام في صنع الحلول وبري يذكر بدفنه الترويكا والحص يؤكد تمسكه بالديموقراطية
طغت الذكرى العاشرة لإنجاز وثيقة الوفاق الوطني في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية على غيرها امس في لبنان، إذ أقيم عصراً مهرجان خطابي حضره أركان الدولة ورعاه رئيس الجمهورية إميل لحود الذي اغتنم الإحتفال بالذكرى لدعوة الجميع في الحكم والمعارضة الى المساهمة في صنع الحلول التي شكل اتفاق الطائف بوابة العبور نحوها. وألقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري كلمة لحود في المهرجان، بعد ان حرص على التأكيد انه دفن "ترويكا الحكم"، التي كان رئىس الحكومة الدكتور سليم الحص سبقه الى الحديث عنها منتقداً قيامها في العهد السابق. كما تحدث الرئيس حسين الحسيني الذي ترأس اجتماعات النواب في الطائف. اعتبر الرئيس الحص في كلمته ان اتفاق الطائف أطلق حقبة جديدة في حياة لبنان السياسية، وقال "كان لبنان قبل الإتفاق في مهب الريح تحت رحمة صراع عبثي مفتوح لو ترك على غاربه لأدى الى تدميره، فجاء الاتفاق لتمكين البلد من فرصة استعادة الحياة، من هنا إصرارنا على ان اتفاق الطائف لا يجوز تقويمه بالنظر الى جزئياته ودقائقه وإنما بالنظر اليه كلاً في مجموعة وتحديداً باعتبار ما كان له من دور في السعي لإنهاء صراع كان لولاه سيظل مفتوحاً". وأشار الى "ان حقبة ما قبل الازمة كانت حافلة بالمتناقضات والمفارقات، وبمزيج من الإزدواجيات كانت حصيلته كياناً وطنياً مضطرباً وركيكاً". ورأى "ان الطائفية كانت تعكس سياسة تمييزية فاضحة بين الافراد والمجموعات والعامل الأبعد اثراً في تغييب مبدأ تكافؤ الفرص وبالتالي عدم انتظام العمل الديموقراطي ومن ضحايا هذه السياسة كان مبدأ المحاسبة سواء في ممارسة السياسة ام في الاضطلاع بمسؤوليات الوظيفة". وأوضح الحص "ان نظام الطائف صحيح انه لم يلغ الطائفية لكنه اقر صراحة مبدأ التدرج في إلغائها وهذا ينبغي ان يكون سبباً لنزع فتيل التشنج وتوطيد الأمل في مستقبل أفضل، وكان من شأنه المساعدة على معالجة علّتين من العلل المزمنة للمجتمع اللبناني ألا وهما الإنكشاف المفرط على التطورات الخارجية وجنوح المؤسسات الوطنية مع الزمن للتفكك والإنقسام". وقال "ان الواقع السائد قبل اتفاق الطائف جعل اي عملية جمع من دون حصيلة عملياً، في حساب السياسة اللبنانية، بحيث ان جمع الفئات معاً قد لا تكون حصيلته دوماً صورة المجتمع المتماسك، كما ان جمع المناطق معاً قد لا يعطي دوماً صورة البلد المتحد، وجمع المؤسسات معاً قد لا تكون حصيلته دوماً صورة كيان الدولة الفاعلة وجمع الألوية العسكرية قد لا ينتج في اوقات النزاعات الحادة صورة الجيش المتماسك وكانت هناك لحظات في ظروف التأزم السياسي عندما كان جمع الوزراء لا يؤدي الى صورة الحكومة المنسجمة، هذه الظاهرة غير الطبيعية مردّها الى ان مؤسسات الدولة معرضة لتأثيرات امراض المجتمع وهنا ايضاً يظهر ان عملاً توافقياً وطنياً هو العلاج الوحيد وقد كان ذلك في اتفاق الطائف". وإذ اعتبر الحص ان "جمهورية الطائف ينبغي ان تكون جمهورية التحول التاريخي الكبير ليس فقط في خلافة جمهورية سابقة وإنما ايضاً في التمهيد لقيام جمهورية"، قال "اننا نتطلع الى اللحظة التي يتم فيها التحول الكبير المقبل وذلك عندما يحل نظام لا طائفي ولا تمييزي محل نظام الطائف المبني على المشاركة الفئوية". اما ما بعد الطائف فقال الحص "طريق واحد هو طريق تطوير الممارسة الديموقراطية الصحيحة لقيام دولة القانون والمؤسسات ولا سبيل الى بلوغ هذا الهدف إلا ديموقراطياً. حتى الذين يتحفظون على الطائف، لا طريق امامهم لتطويره او تعديله سوى العمل الديموقراطي، وأن برنامجنا وتطلعاتنا وطموحنا هي تفعيل الديموقراطية". وأضاف "نحن لا نخدع أنفسنا بالقول ان الديموقراطية بخير في لبنان، ففيه الكثير من الحرية وإنما القليل من الديموقراطية فلا ديموقرطية حيث لا محاسبة، ولا تكافؤ فرص بوجود الطائفية والمذهبية والعشائرية والمحسوبية. اما كيف نصل لهدف تطوير الممارسة الديموقراطية، فبالعمل المنهجي الدؤوب على إلغاء الطائفية من النظام، وبتفعيل آليات المحاسبة وفي مقدمها القضاء وهيئات الرقابة الإدارية، وبسنّ قانون عادل للإنتخابات النيابية والبلدية، وبتكرار تجارب الانتخابات النزيهة". واعتبر "ان هدف تطوير الممارسة الديموقراطية وتجاوز الحال الطائفية لم يحظ بعد بمقدار كاف من الاهتمام خلال هذه الحقبة من الزمن. حتى نص الطائف المتعلق بالطائفية السياسية لم يجد طريقه الى التطبيق حتى الآن. الى ذلك برزت على مستوى الحكم ممارسات منافية لاتفاق الطائف نصاً وروحاً، وأبرزها بدعة ترويكا الحكم. فهي منافية للدستور من حيث انه ينص على الفصل بين السلطات فيما صيغة ترويكا الحكم تشبك السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما انها آلت الى التعدي في بعض الحالات على السلطة القضائية، وهي منافية للديموقراطية من حيث أن اركان ترويكا الحكم درجوا على اختصار المؤسسات في اشخاصهم، وما كان ذلك إلا على حساب فاعليتها عملياً. وكان من شأنها بدعة الترويكا الإفتئات على صلاحيات الحكومة ورئىسها من حيث انها قامت على إشراك الغير من أركان الترويكا في قرار الحكومة ورئيسها". وأضاف "ان اتفاق الطائف كان اساسياً، ولو لم يكن كافياً، في السعي الى اشاعة سلام ناجز ومستقر في لبنان. فالسلام الكامل يبقى عصياً، وكذلك الاستقرار، ما دام العدوان الإسرائيلي مستمراً على لبنان". وأكد التزام الطائف "التزامنا مقتضيات الوحدة الوطنية، ... والوفاق على الخروج منه الى الجمهورية الموعودة". وأعلن "ان اتفاق الطائف ليس نهاية الطريق بل هو الطريق الى مستقبل افضل، لأنه يحمل في طياته بذور تغييره". ورأى "ان اي تعديل في الدستور، وتالياً للنظام، لا يجوز في اي حال ان يتم إلا بناء على ارادة وفاقية جامعة في مستوى تلك الإرادة الوطنية المباركة التي انتجت اتفاق الطائف". وحيا كل الذين ساهموا في انجاز اتفاق الطائف، "خصوصاً قادة كل من سورية والمملكة العربية السعودية والمغرب والجزائر، وشهيد الطائف الرئيس رينيه معوض والجندي غير المجهول الأخضر الإبراهيمي". الحسيني وتحدث رئيس المجلس النيابي السابق النائب حسين الحسيني عن النجاح الذي حققه النواب "حيث اخفق المسلحون بل الجيوش والدول". وحيّا فيهم شجاعتهم وأمانتهم وما كابدوه من المشقة، وحيّا الرئيس السوري حافظ الأسد "الذي لولا عونه ورعايته الوصول الى هذا الاتفاق" كما حيّا اصدقاء لبنان العرب وخصّ بالذكر وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل وممثل الجامعة العربية في ذلك الحين الأخضر الابراهيمي. ودعا الى قراءة نص اتفاق الطائف "قراءة متأنية وهادئة بعد تلك القراءة الهوجاء التي ظنّ اصحابها ان في وسعهم او في مصلحتهم او في مصلحة من يدعون تمثيلهم ان يقرأوا النص ضد انفسهم، يماكرونه مماكرة بل يكايدونه مكايدة حتى يكون لهم ان يقولوا: لقد ذهبنا ضحية هذا النص وبالتالي لا بد من محو حروفه، وكأن بفريق آخر يقف في مقابل هذا الفريق وقد سرّته هذه القراءة فأخذ بتصديقها في سرّه". ورأى ان "قراءة نص الطائف تبدأها النخبة وتواكبها في انتشارها الاجتماعي المطلوب في مناخ من الحرية كما ان القراءة لا تكون بمعزل عن موازين القوى لكن موازين القوى مهما كانت مختلة لا يمكن ان تصل الى حد تبديل النصوص، وفي مقابل موازين القوى علينا الا نستهين بموازين العقل". ولم يبد استغرابه "لأن يكون الاقبال على النص مقترناً بالعهد الجديد، فبين هذا العهد وبين الوفاق الوطني صلة تكوين وعهد ووفاء، والنصيحة التي اراني مساقاً الى سوقها الى من يريد قراءة هذا النص، هي ان هذا الاتفاق قادر على العطاء لمن يحسن الاخذ". وأكد الحسيني ان "اتفاق الطائف هو للتطبيق. اما روح هذا الاتفاق فهي بسيطة الجوهر: انها بقاء لبنان واللبنانيين وكل اللبنانيين والالتزام بحقوق الانسان"، مشدداً على "مقدمة الوثيقة". حرب وعاد النائب بطرس حرب بالذاكرة الى الخامس من تشرين الثاني 1989 حين أمضى النواب نحو ثلاثة اسابيع يتناقشون ويتجادلون ويتصادمون في الطائف، وقال "كنا أمام تحدٍ كبير، فالفشل لم يكن مسموحاً والرهان كان لبنان بالذات". وعما حققت وثيقة الوفاق الوطني بعد عشر سنوات قال حرب "صحيح ان مرحلة استعادة الدولة سلطاتها وهيبتها ودورها بدأت وانطلقت حركة البناء والإعمار، إلاّ أن الحقيقة ان الممارسة السياسية في الفترة السابقة ولا سيما قبل بداية العهد الجديد لم تكن مطمئنة لأنها أطاحت بالقواعد الأساسية التي يقوم عليها نظامنا. خُرق الدستور وخولفت القوانين والمصالحة الوطنية الحقيقية لم تتحقق، وبند بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية لم يتحقق كلياً ولا يزال بعض الميليشيات من دون حل لا سيما الميليشيات غير اللبنانية التي تسيطر على بعض الجزر الأمنية ولا تزال قوانا الشرعية الذاتية بحكم ترابط وضع لبنان بالمأزق الإقليمي عاجزة عن بسط سلطتها على كامل الأراضي وتحتاج الى مساعدة القوات السورية لذلك". ورأى أنه "كي يستقيم الحكم على وثيقة الوفاق يجب البدء بتطبيقها واحترام مضمونها، ولا يضيرنا أن نلتقي بعد مدة حول طاولة بحث علمي لنتفق على سد بعض الثغرات فيها". ودعا الى "انتفاضة على الذات"، قائلاً "يخطئ من يتصور انه قادر على حماية نفسه وراء حدود قومية او جغرافية او جمركية او ثقافية". وقال الرئيس بري "لا بد لي من كلمات اقول فيها ان اتفاق الطائف هو اتفاق الضرورة ولولا الرغبة في السلام في قلب كل منا ولولا فرصة قدمتها سورية ورعاية مباشرة من الرئيس حافظ الاسد لما كان اتفاق الطائف". وأضاف "انه نتيجة تضحية كل اللبنانيين الذين قاوموا التقسيم والعصر الاسرائيلي وأسقطوا 17 أيار مايو وبددوا ظلمات قوة لبنان في ضعفه كما كان يقال، ويروى لنا ويراد لنا ان نؤمن". واعتبر ان شعار "قوة لبنان في ضعفه ابدلناه بعصر المقاومة التي شرّفت لبنان والعرب". وقال ان "ليس في كل ما مضى قضاء وقدر. فالترويكا كانت موجودة، وقبل عامين دفنتها شخصياً بإعلاني موتها، وتصدينا منذ العام 1992 لمحاولات عدة لأخذ صلاحيات استثنائية من المجلس النيابي في سبيل تعزيز الديموقراطية". وتابع بري "اكتفي بهذا لأقول وجّه رئيس الجمهورية العماد إميل لحود الى المشاركين في احتفال الذكرى السنوية العاشرة لاتفاق الطائف الرسالة التالية وسأكتفي بتلاوتها: كلمة لحود أيها الحفل الكريم، عشر سنوات على اتفاق الطائف لا يمكن التعاطي معها كمناسبة شكلية للاحتفال بالذكرى بقدر ما يجب ان تكون محطة استذكار وتذكير. استذكار لما كان قبل الطائف وتذكير بما يجب ان يكون بعده. ما كان قبله نعرفه جميعاً وعايشناه وعاركناه وناضلنا من اجل الخلاص منه وقليل منا خلاله لم تنله خسارة او لم يصبه ألم. ولبنان كان الخاسر الاكبر". وأضاف "لقد توغلت الفتنة الينا من موقعين اولهما هشاشة نظامنا السياسي والمؤسساتي القائم بتركيبته الطائفية على الغاء الدولة، وثانيهما فقدان الخيارات السياسية الاستراتيجية الواضحة على مستوى الوطن وكان هذا كما ذاك كافياً لإدخالنا في دوامة الانقسام والعنف والدمار". وسأل "هل يجوز ان تستمر تلك الاسباب؟". وقال "لقد جاء اتفاق الطائف ليوقف تلك الدوامة من خلال ارساء الخطوط التوافقية العريضة للخروج نحو السلم الاهلي وهو شكل بهذه الصفة بوابة العبور نحو الحلول التي علينا نحن، كل من خلال موقعه، في الحكم كما في المعارضة، المساهمة في صنعها. ان هذه المساهمة لا يمكن ان تكون فعالة وصائبة ما لم تأخذ بالحسبان العبرة من الماضي وأن ما تحقق حتى الآن يعتبر جزءاً اساسياً من الطريق، أهمه ان خياراتنا الاستراتيجية في تمييز الشقيق، وتحديد العدو كما في مواجهة استحقاقات المرحلة دعماً للمقاومة، ورداً لمناورات الاستفراد، هذه الخيارات، لم تعد موضع جدال او نقاش او انقسام. إلا ان كل ذلك لا يمكن ان يشكل قاعدة استقرار او اطمئنان، ما لم يكن مدعوماً بقيام دولة الى جانبه. ولا تقوم دولة ما لم يكن القانون ركيزتها والمؤسسات بنيانها". وكان لحود أكد في جلسة مجلس الوزراء أول من أمس على "ضرورة تفعيل الحوار الذي يجب الا ينقطع حتى في الخصومة السياسية بين الحكومة ومعارضيها أو بين الموالاة والمعارضة". وقال "ان ما يجعل هذا الكلام ضرورة ملحّة هو حجم التهديدات والتحديات التي تشهدها هذه المرحلة وعلى رأسها المناورات الاسرائىلية الهادفة الى إضعاف الموقف اللبناني - السوري في مواجهة الاستحقاقات المقبلة". وكان لحود استهلّ كلامه بالإشادة بالقرار الذي اتّخذه مجلس المحافظين في البنك الإسلامي للتنمية الذي انعقد في جدة بانتخاب الحص رئيساً له وقراره عقد اجتماعه المقبل في لبنان عام ألفين". وسجلت سلسلة مواقف من الذكرى، فقال رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى الإمام محمد مهدي شمس الدين في خطبة الجمعة "ان اتفاق الطائف ليس معصوماً من العيوب وفيه امور تسرَّع فيها النواب ووضعوها وكانت اخطاء، لكنه في جملته صحيح وحكيم ومناسب لمصلحة كل فئة ولمصلحة كل الشعب اللبناني"، مشيراً الى "ان كل عيب فيه يمكن اعادة النظر فيه ويعاد اصلاحه في الوقت المناسب". وللمناسبة نفسها، ارسل العماد ميشال عون رسالة الى مناصريه من باريس اعتبر فيها "ان الطائف خيانة لبنانية وفشل عربي ودولي موصوف". واضاف "الأسرة الدولية التي لم تبادر مجتمعة الى فرض ميثاق الاممالمتحدة وشرعة حقوق الانسان وتنفيذ القرارات الدولية بوجوب انسحاب دولتين محتلتين من اراضي دولة عضو مؤسس. هذه الأسرة نفسها هل كانت خادعة ام مخدوعة عندما سارعت الى تأييد الطائف الذي يشرع الاحتلال ويبرئ العدوان ويؤمن تغطية للتسلط والهيمنة؟".