سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"التحدي أمام النظام السياسي هو الإختلاط الواسع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية" . نسيب لحود : لا حاجة إلى زيادة صلاحيات الرئيس وإعادة الإنتشار السوري مرتبطة بالصراع مع إسرائيل
يقترن اسم نسيب لحود بذلك الصنف من المرشحين الذين يتسمون بالنزاهة لأنه أبعد مصالحه المالية والاستثمارية شركة لحود للهندسة عن لبنان منذ دخل المعترك السياسي. ويخوض لحود المولود عام 1944 في بعبدات والحائز شهادة في الهندسة من انكلترا ترشحه، مستنداً الى عائلة سياسية، وارث والده سليم الذي كان نائباً ووزيراً في عهد الرئيس كميل شمعون، والى دخوله المعترك السياسي، منتصف الحرب، ضمن مجموعة من النخبة المسيحية التي سعت وراء الكواليس، الى تشجيع البطريرك الماروني نصرالله صفير على السير في اتفاق الطائف والاصلاحات وصولاً الى وقف النزاع المسلح في لبنان. وهو بعد الحرب شغل منصب سفير لبنان في واشنطن 1990 - 1991 الى أن عيّن نائباً عن المتن الشمالي عام 1991 ثم انتخب عن المقعد نفسه عامي 1992 و1996 وكان ناشطاً في لجان المجلس النيابي وهيئته العامة، من موقع المعارض الذي جعله عضواً في "اللقاء الوطني النيابي" الذي يضمه الى الرؤساء السابقين حسين الحسيني وسليم الحص وعمر كرامي والنائبين بطرس حرب ومحمد يوسف بيضون. ويقول مؤيدو لحود ان ترشحه يرتكز الى سمعته كرجل موزون ومعتدل في سلوكه السياسي، بل في كل أوجه حياته. وإذ يراهن هو على هذه السمعة، وعلى صداقات سورية وعربية، فإن صلاته الخارجية لا تقل أهمية. وأن أشد منافسيه، في عدد من الصفات التي يتمتع بها هو قريبه العماد أميل لحود. ويتميز نسيب لحود بصلته الدائمة بدوائر المعلومات وبمعرفة حقائق الأمور وخلفياتها. وهنا نص الأجوبة على الأسئلة التي طرحتها "الحياة" عليه عن نخبة من العناوين المطروحة على العهد المقبل إذ يصعب الإحاطة بها جميعاً. فشل تجربة الإصلاح الإداري كان له اسباب عدة ما هي في رأيك: هل ان تغيير الاشخاص في السلطة يسمح بنجاح الإصلاح، ام ان المطلوب إصلاح سياسي يؤدي إلى النجاح في الإدارة؟ - لم تحصل في السنوات الاخيرة اي عملية اصلاح اداري حقيقية حتى يقال انها فشلت او نجحت. جل ما في الامر ان وزارة للاصلاح الاداري استحدثت، قامت ببعض الدراسات والانشطة الجيدة والمفيدة، لكنها لم تعط، ويا للاسف، اي صلاحيات تنفيذية. من ناحية ثانية، اجريت عام 1993 عملية تطهير خجولة طاولت عدداً محدوداً من الموظفين سرعان ما تم التراجع عنها واجهاضها. هذا كل ما في الامر، والسبب الرئيسي وراء ذلك الغطاء السياسي الذي يمنحه بعض المسؤولين لهذا او ذاك من الموظفين. فالادارة لا تعاني فقط الفساد والرشوة التقليديين المنتشرين بنسب متفاوتة في كل الدول تقريباً، بل هي قبل كل شيء منخورة بمرض الاستزلام وتوزع الولاءات بين كبار المسؤولين في الدولة وعلى اساس طائفي ومذهبي. التعيينات التي حصلت في السنوات الاخيرة، خصوصاً في المناصب المهمة والحساسة، كانت في معظمها تتم بمنطق تقاسم النفوذ لحماية المواقع التي اقتطعت على اساس طائفي وسُخرت لهذا او ذلك من المسؤولين، وهي في الكثير من الاحيان لم تراع حتى شروط الحد الادنى من الكفاية والمواصفات الوظيفية. من هنا، اصبح ولاء اولئك الموظفين ليس للادارة وبالتالي للدولة ولعموم المواطنين، بل لمن وقف وراء تعيينهم من المسؤولين. وأي اصلاح اداري يجب الا يقوم على اعادة الاعتبار الى الكفاية والنزاهة والاهلية او على تحديث الادارة واعادة هيكلة الدولة والوزارات وتسهيل اصول المعاملات فحسب، بل ايضاً على تفكيك شبكة الاقطاعات والولاءات الفئوية والسياسية تلك. وهذه مسألة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتغيير السياسي وبالمجيء بطاقم من المسؤولين المنزهين عن تلك الممارسات والذين يشكلون قدوة في تغليب الولاء للدولة وليس للمصالح الشخصية او المذهبية او الطائفية. هل تعتقد ان تركيبة ما بعد الطائف ناضجة لإجراء تعديلات دستورية كالتي اعلن الرئيس الياس الهراوي نية اقتراحها تتعلق بمهل التوقيع على المراسيم وأخرى على بت القوانين في المجلس النيابي؟ وهل تتطلب الصلاحيات إعادة نظر لتسير الامور في شكل افضل أم ان الامر يتعلق بالممارسة؟ - الدستور يمثل استمرار الدولة وثباته من ثبات الدولة نفسها. لذلك انا من الذين يعتقدون ان تعديل الدستور يجب الا يتم بيسر وسهولة، وهكذا لأي سبب من الاسباب. قد تكون بعض الاسباب التي يطرحها اليوم الداعون الى اجراء بعض التعديلات في الدستور، ومنهم الرئيس الهراوي، منطقية ومشروعة، ولكن اعتقد بوجوب اعطاء ما يكفي من الوقت للتحقق هل العلة في نصوص الدستور ام في الممارسة. التحدي الاكبر الذي يواجهه النظام السياسي اليوم هو الاختلاط الواسع وغير الصحي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والامعان في شخصنة المؤسسات، عبر ما يعرف بظاهرة "الترويكا" التي تستمر على ارض الواقع على رغم نعيها المتكرر، وعبر مصادرة جزء كبير من صلاحية مجلسي النواب والوزراء لمصلحة رئيس كل منهما. وهذا يضعف هاتين المؤسستين ويجعلهما عرضة للتجاذبات وردود الفعل المذهبية من ناحية، ويعطل آلية المساءلة والمراقبة التي يفترض ان يضطلع بها المجلس النيابي حيال الحكومة من ناحية ثانية. من هنا يكمن الحل اولاً في تصويب الممارسة وفي العودة الى روحية وثيقة الوفاق الوطني اتفاق الطائف التي ابتغت "مأسسة" السلطات رداً على "شخصنة" موقع رئاسة الجمهورية في نظام ما قبل الطائف. وليس الامعان في شخصنة المواقع الاخرى كما يحصل اليوم. اما موقع الرئاسة فهو في نظري يتمتع اليوم من الصلاحيات بما يكفي لتأمين الفصل بين السلطات والتعاون في ما بينها وحسن عمل المؤسسات، وليس هناك اي حاجة الى زيادة هذه الصلاحيات او تقليصها. الحرص على الممارسة الدستورية الصحيحة مدة معقولة من الوقت وحده الكفيل بكشف مكامن الخلل. وعندما يثبت بالممارسة ان نص الدستور في حاجة الى تعديل وتتكاثر الاسباب الموجبة، تتم الدعوة الى ورشة عمل دستورية تجري حزمة متكاملة ومدروسة من الاصلاحات والتغييرات تكون ناضجة ومتجانسة وغير مرتبطة بالظروف السياسية الآنية وتحظى بتوافق وطني واسع. قانون الإنتخاب، على رغم نص اتفاق الطائف على إنجازه، ما زال يتم التطرق إليه موسمياً. متى تتوقع إنجازه؟ أي دائرة ترى إنها الافضل في الظروف الراهنة في لبنان: الدائرة الواحدة، المحافظة، ام الدائرة الصغرى على اساس القضاء؟ - الانتخابات النيابية هي عصب النظام الديموقراطي ومفتاح الاستقرار. عبر انتخابات صحيحة يمكن النظام ان يستوعب كل التناقضات، وعندما تقتنع غالبية المواطنين ان فرصة عادلة اتيحت لها للتعبير والتمثيل، تنتفي اسباب التذمر الطائفي والمذهبي والسياسي، ويصبح الجميع في كنف الدولة. هذا لم يحصل، ويا للأسف، لا في انتخابات 1992 ولا في انتخابات 1996، والسبب الرئيسي وراء ذلك قانون الانتخاب الذي جاء في المرتين مسلوقاً ومشوّهاً وغير عادل. وبغض النظر عن حجم الدائرة، المطلوب ببساطة من قانون الانتخاب ان يكون: * واحداً فوق الاراضي اللبنانية كلها. * كافلاً للتعددية السياسية كي لا تحتكر التمثيل عبره لا الغالبية ولا القلّة. * كافلاً لدورية الانتخابات، اي ان يُجرى الاستحقاق في موعد ثابت معروف مسبقاً. هذا يمكن توفيره في سهولة عبر اي من المحافظة او القضاء كدائرة تمثيلية. اما جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، فلا اعترض عليه من حيث المبدأ شرط ان يقترن في وضوح بقاعدة النسبية في توزيع المقاعد لضمان التعددية، فضلاً عن ان اعتماد النسبية السياسية في حد ذاته مسألة معقّدة وغير ناضجة بعد في ظل نسبية اخرى إلزامية هي النسبية الطائفية. اما اعتماد لبنان دائرة واحدة مع نظام اغلبي فهو بكل بساطة إجهاز تام على الديموقراطية، لأنه يحصر التمثيل في المجلس النيابي اما بالغالبية دون سواها، واما بالكبرى بين الاقليات. قانون الانتخاب، كما تعديل الدستور، مسألة وطنية في غاية الاهمية، ويجب ألا يُبحث فيها تحت ضغط الوقت او في ظل التجاذبات الحادة. لذلك من اولى مهام الحكومة المشكّلة بعد انتخاب رئيس جديد الانكباب على وضع مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية يؤمّن العدالة والاستقرار للنظام السياسي. قانون اللامركزية الإدارية ما زال موضوع خلاف وتجاذب. هل السبب تأخر قانون الانتخاب الذي يتأثر بتوزيع الوحدات الإدارية ام ان السلطة المركزية خائفة من التخلي عن جزء من صلاحياتها للسلطات المحلية؟ - لا شك ان ثمة حلقة لا تزال مفقودة في التنظيم الاداري للدولة كما نص عليه اتفاق الطائف هي اللامركزية الادارية. وقد أمكن تلمس هذا الفراغ ومعاينته في وضوح اكبر بعد الانتخابات البلدية، حيث تقف مجالس بلدية كثيرة منتخبة حديثاً عاجزة امام تحديات هائلة تفوق طاقتها ولا يمكنها مواجهتها وحدها قبل اكتمال عقد مجالس الاقضية وباقي اجهزة اللامركزية الادارية. ليس شرطاً ان تكون الوحدات الادارية في قانون اللامركزية ودوائر الانتخابات النيابية متطابقة على رغم ان هذا التطابق يسهل الكثير من الامور، وخصوصاً العملية الانتخابية التي نصرّ على اجرائها في كلتا الحالين، وليس في الحال النيابية فحسب. فبعض الافكار المتداولة اليوم تتحدث عن تحقيق اللامركزية الادارية من طريق التعيين "من فوق" لا من طريق الانتخاب "من تحت". وهذه اسمها "لاحصرية" لا "لامركزية"، وهي تنم عن تخوف غير مبرر من الرأي العام ومن المواطنين الذين يجب ان يتحملوا مسؤولية مباشرة في اختيار الاشخاص الذين سيديرون شؤونهم الخدماتية والانمائية على صعيد مناطقهم تماماً كما هي الحال على صعيد بلداتهم ومدنهم، وكما حصل في الانتخابات البلدية. هل يعوض تصحيح التمثيل المسيحي الذي يكثر الحديث عنه، إجراء تعديلات دستورية؟ وكيف يمكن تصحيح هذا التمثيل؟ - اولاً اننا نعاني ضعفاً في التمثيل على الصعيد الوطني العام من حيث التعبير عن طموحات المواطنين في قيام دولة القانون والمؤسسات والتنمية العادلة وعودة المهجّرين وتفعيل الاقتصاد ووقف نزيف الهجرة واستجابة تطلعات الشباب وتوفير فرص عمل جديدة. وكل المسائل الاخرى التي طال انتظارها من جانب اللبنانيين اجمعين ومن جميع الطوائف من اجل طي صفحة الحرب نهائياً. هنا المشكلة وهنا ضعف التمثيل الحقيقي. اما اذا كان هناك ضعف في التمثيل المسيحي، فلا علاقة له بالدستور، بل بما أشرت اليه سابقاً إن على صعيد الممارسات وإن على صعيد قانون الانتخابات النيابية المشوّه وغير العادل والذي وقع في شراكه بعض الاطراف المسيحيين ومعهم بعض الرأي العام المسيحي عبر ما سمّي بالمقاطعة. اليوم اصبحت هذه المسألة شبه منتهية بعدما شاركت كل القوى في الانتخابات البلدية، وهي لا شك ستشارك في الانتخابات النيابية المقبلة. من هنا فالطريقة المثلى لتصحيح التمثيل المسيحي وغير المسيحي تكون بتطبيق الدستور واتفاق الطائف نصاً وروحاً. في المدى المباشر هناك فرصة يجب ألاّ تفوت، هي انتخاب رئيس جديد للجمهورية ذي كفاية وصدقية وشعبية واسعة لدى جميع اللبنانيين وتشكيل حكومة جديدة للاصلاح والتطوير. اما على المدى البعيد، فالسبيل الوحيد لتصحيح التمثيل انتخابات نيابية حرة ونزيهة وفق قانون عصري وعادل ينتج عنه مجلس نيابي ذو صفة تمثيلية واسعة ويمارس دوره في التشريع والمراقبة والمساءلة من دون اي عوائق. فما يرضي اللبنانيين عموماً في هذا المجال يجب ان يرضي المسيحيين. هل يفترض هذا التصحيح مبادرة ما حيال المعارضة المسيحية في الخارج بأنواعها المتعددة؟ - لا اعتقد بضرورة القيام بمبادرة خاصة حيال المعارضة المسيحية في الخارج او حيال اي فئات اخرى. كل ما هو مطلوب تطبيق الدستور الذي يكفل حرية العمل السياسي لجميع الناس تحت سقف القانون. اذا ضمنت السلطة هذا الامر بتجرد ولجميع الاطراف الملتزمين العمل تحت سقف القانون، تصبح المشاركة في الحياة السياسية والوطنية مسؤولية الاطراف انفسهم، ولا سيما منهم المشاركون في الانتخابات النيابية التي عبرها يجب ان تتحدد معالم الخارطة السياسية. بدا كأن الحديث الاسرائيلي عن تطبيق قرار مجلس الامن الدولي الرقم 425 مشروطاً بمفاوضات على ترتيبات أمنية انحسر، هل يرجع ذلك إلى ان اسرائيل طوت الفكرة لأنها لم تلقَ تجاوباً لبنانياً وسورياً وتشجيعاً أميركياً وفرنسياً، ام تتوقع ان تعود إليها؟ - ان حكومة بنيامين نتانياهو لم تطو بعد نهائياً مشروع الانسحاب الاسرائيلي من جنوبلبنان مشروطاً بترتيبات امنية، لأن الاهداف المضمرة من ورائه ما زالت قائمة، وهي: * التملص من تحقيق تسوية عادلة وشاملة وفق مبدأ "الأرض في مقابل السلام". * فك الارتباط بين المسارين اللبناني والسوري من اجل استفراد كل من الدولتين على حدة وإضعاف الموقف التفاوضي لكل منهما ومحاولة عزل سورية دولياً. * التخلص من الخسائر الكبيرة التي تلحقها بها المقاومة في جنوبلبنان. فما حصل في الاسابيع الاخيرة مجرد انكفاء تكتيكي نتيجة عوامل عدة متضافرة. ومن هذه العوامل على الصعيد الدولي عدم قدرة الادارة الاميركية على مواكبة ملف بهذا الاهمية نتيجة انغماسها في مشكلاتها الداخلية، والموقف الفرنسي الرافض للمشروع كما عبّر عنه الرئىس جاك شيراك لدى زيارته بيروت اولاً ثم لدى زيارة الرئىس حافظ الأسد لباريس ثانياً. وأهم من هذا وذاك استمرار التضامن والتنسيق بين الموقفين اللبناني والسوري، والتماسك اللبناني الداخلي الذي لم يعط اسرائيل اي ورقة للمناورة في هذا المجال. فرضت الظروف الاقليمية تأجيل البحث في بند إعادة انتشار الجيش السوري الذي نص عليه اتفاق الطائف والبعض يعتقد ان الظروف الداخلية ونمو قدرة الجيش اللبناني باتت تتيح إعادة انتشار جزئية تلائم بين الظروف الاقليمية والظروف الداخلية، هل هذه التوقعات صحيحة؟ - اعتقد ان الأولوية المطلقة اليوم هي التركيز على انسحاب اسرائيل من دون قيد او شرط من الاراضي التي تحتلها في الجنوب والبقاع الغربي وإعادتها الى السيادة اللبنانية. اما مسألة اعادة انتشار القوات السورية التي نص عليه اتفاق الطائف فهي مسألة ثنائية تبحث بين الدولتين والحكومتين في ضوء حاجات لبنان الامنية من ناحية ومترتبات الصراع العربي - الاسرائيلي من ناحية ثانية.، وقد التزم البلدان الوقوف منه موقف التضامن والتنسيق الشامل. لا شك في ان نمو قدرات الجيش اللبناني عنصر مؤثر في قرار الحكومتين اجراء اعادة الانتشار، لكنه ليس العنصر الوحيد في هذه المعادلة التي تظل مرتبطة الى حد بعيد بمستقبل الصراع مع اسرائيل. العلاقات اللبنانية - السورية خضعت لحال من عدم الثقة بين افرقاء لبنانيين وسورية، كيف يمكن ارساء هذه العلاقة على قاعدة الثقة بين هؤلاء، خصوصاً بعض المسيحيين وسورية، علماً ان موضوع السيادة اللبنانية مطروح على الدوام من جانب هؤلاء الافرقاء؟ - انا من المؤمنين بأن لا تناقض بين وجود علاقات لبنانية - سورية مميزة من ناحية، والتمسك بسيادة لبنان واستقلاله من ناحية ثانية. في الواقع سورية أدّت دوراً بارزاً في اعادة الاستقرار الى لبنان بعد حرب دامت 15 سنة. واليوم لا يمكن إحداث تغيير جدي او تحقيق برنامج اصلاحي في لبنان من دون دعم سوري واضح لهذا المنحى يبقى المستقبل الذي هو اهم بكثير من الماضي، وهذا المستقبل مليء بفرص التعاون والتكامل والتنسيق على كل الصعد الاقتصادي والثقافي والديبلوماسي وغيرها. املي بعد تسوية الصراع العربي - الاسرائيلي ان تصبح الشراكة اللبنانية - السورية نموذجاً رائداً وقدوة في إرساء قواعد الحداثة والتطوير لكل العالم العربي. معالجة العجز في الخزينة اولوية الاولويات. هل يكفي خفض الانفاق لذلك أم انه يسبب انكماشاً إذا لم يترافق مع إعادة نظر في الاولويات الاقتصادية والاجتماعية؟ كيف تتم اعادة النظر هذه ؟ - عجز الخزينة هو احد مظاهر الازمة الاقتصادية - الاجتماعية في البلاد وليس وحده المشكلة. لذلك عندما تتصدى الحكومة للعجز كهدف وحيد دون سواه، تفاقم المشكلة بدلاً من حلها. وهذا ما يحصل اليوم. فالانخفاض الشكلي في عجز الموازنة الظاهر يخفي تقصيراً كبيراً في سداد الكثير من المبالغ المقدرة بمئات البلايين والمستحقة خصوصاً للمتعهدين ولأصحاب المستشفيات والمهجّرين وغيرهم. ثم ان الانخفاض تم جزئياً بفضل جباية رسوم جمركية جديدة استحدثت اصلاً لتغطية تكاليف سلسلة الرتب والرواتب التي لم يدفع منها قرش واحد حتى اليوم. اذا أدخلنا هذا وذاك في الحسبان، نصل الى عجز فعلي يناهز عجز السنوات الماضية. المطلوب ليس تحقيق انخفاض في العجز الدفتري فحسب، بل وإزالة الاسباب الجذرية للعجز، عبر اصلاح اقتصادي متكامل يتمثل بإصلاح الادارة وتحديثها والقضاء على الفساد والرشوة وإعادة النظر في أولويات الإنفاق ووقف إهدار المال العام وإجراء مراجعة للنظام الضريبي وتنمية المناطق وتحفيز القطاعات المنتجة وتحفيز الاستثمار وتشجيع الادخار الخاص وتحديث التعليم وغيرها من المهام التنموية التي لم تعرها الحكومة الاهتمام الذي تستحق. من دون ذلك، يبقى العجز الفعلي في تزايد وإن تم خفضه في الشكل. متى يمكن في رأيك البدء بتطبيق البند المتعلق بالتحضير لإلغاء الطائفية السياسية بحسب الدستور؟ - هذه مسألة تأخرت كثيراً اذ كان يجب البدء بها منذ سنوات عدة. طبعاً المطروح ليس إلغاء الطائفية فوراً بل تشكيل الهيئة الوطنية المنوط بها البحث في الآليات المؤدية الى ذلك وفقاً لما نصّت عليه وثيقة الوفاق الوطني. وأعتقد ان لا احد يريد إلغاء الطائفية بشحطة قلم بين ليلة وضحاها. هذه مشكلة مركبة ليست سياسية فحسب بل لها ايضاً جذور تاريخية واجتماعية وثقافية واقتصادية راسخة، وتخطيها يتطلب بدوره حلولاً مركّبة وعلى مراحل عدة. والميدان الرئيسي لتخطي الطائفية هو المجتمع لا الدولة فحسب. نقطة الانطلاق في هذا الموضوع هي طبعاً تشكيل الهيئة وتحديد مهامها التفصيلية، ولكن يجب التحذير من ان هذا الأمر لا يمكن ان يتم في اجواء من التخويف والتجاذب. وتخطي الطائفية نحو نظام عصري يكفل حقوق المواطنين بالتساوي هو مكسب لجميع اللبنانيين ويجب ان نحرص على تحويله مطلباً لجميع اللبنانيين. وهو بالتالي يجب ألا يكون مادة للمزايدة والتخويف، فضلاً عن الأجواء الوطنية النظيفة الملائمة لإطلاق عمل الهيئة، فان الكثير يتوقف ايضاً على تركيبتها، اذ يجب ان تضم مراجع وشخصيات وطنية منزّهة توحي بالثقة لجميع المواطنين وتكون هي بدورها فوق شبهات التقوقع المذهبي والطائفي