مجموعة قصصية جديدة للكاتب المخضرم ابو المعاطي ابو النجا، وهو مخضرم في الزمان والمكان معا. لانه نشر اولى مجموعاته "فتاة في المدينة" بدار الاداب التي كانت ولا تزال تقدم الاجيال الجديدة من المبدعين العرب عام 1960، وهذه هي المجموعة الثامنة له فضلا عن روايتين. وقد توزع عمره على مكانين لم يعد لأحدهما حق محو الآخر، هما مصر والكويت، فإذا حضر في احدهما غاب عن الآخر واغترب في موطنيه معا، كما تنازعته الصحافة مع حرفة الادب، يأسو بعضها جراح بعض، فاصبح وقد سرقت عمره مجلة "العربي" الرصينة دون ان تنسب اليه، ومع انه لم يخلف وعده الابداعي في ان يصبح من كبار كتاب القصة في الوطن العربي، الا ان الحياة الادبية لم تكد تنصفه كما - يستحق، واوشكت الفترات الممتدة المتطاولة بين كل مجموعة واخرى ان توهم القراء بابتلاع غول الصحافة له، خاصة وان آخر مجموعاته "الجميع يربحون الجائزة" قد صدرت عام 1984 وانتظرنا خمسة عشر عاما حتى ظهرت "في هذا الصباح" عام 1999. هذا إن اغفلنا مقالاته القليلة المتناثرة في مراجعات القصة والرواية العربية. لكن الجميل عند ابو المعاطي ابو النجا ان روحه العذبة ونفسه الرصينة لا تتركان اي اثر للمرارة او الأسى، فقد أنفق مئات الالاف من الساعات في رعاية كتابة غيره، والقيام بواجبه في التحرير والحث والتنظيم، وافاد من ذلك خبرة هائلة بالثقافة والابداع، بالحياة والبشر، واستقطر منها عصارة انسانية وجمالية جعلته يمتلك مهارة تقنية فائقة في فن الكتابة، ورؤية عميقة للعوالم المتصلة به. وعندما نقرأ هذه المجموعة نلاحظ بوضوح اثر هذه الخبرة فكلما اقترب منها عرف كيف يجعل من القصة القصيرة كوناً مستقلا يتحقق فيه هذا الشرط العسير للاعمال الفنية الناجحة، وهو شرط الاكتمال، بحيث يصبح العمل كأنه كوكب حر قد انطلق في سماء الوجود الكلي المبدع للانسان، مهما كان مشدودا لمجموعات فلكية اخرى. ما يجعله يمتلئ بالمعنى المتفتح الذي لا يضيع بالمراوغة، ولا يلتبس بكثرة التوالد، ولا ينبو عنه التعبير المقتصد الممتع، فإذا ما ابتعد عن هذا الافق التوت عليه الطرق وانطفأت لديه جذوة الدهشة. ولعل اقرب علامة للاثر الصحافي في هذه المجموعة هي الحرص على اثبات عناوين فرعية داخل القصص، كأنه يريد أن يسلم قارئه هذا الخيط المنظم الكفيل بتحديد مراحل القصة ومحاورها، فالعنوان الاصلي للقصة لا يلبث ان يفضي الى عناوين متتابعة تكشف منطقها وتطورها ودلالتها، انه يمسك بيد قارئه كي لا يضل في متاهة الخواطر والأحداث المرتبة. لكي يمتلك منظورا شديد الوضوح والتبلور، هذا المنظور يقدمه راوٍ ناضج، غالبا ما يتماهى مع الكاتب، ويقارب عالمه المحتمل والمتخيل، حتى يمثل جملة خصائصه الشخصية والنفسية الى درجة كبيرة. تتجلى في القصص الاولى من المجموعة "ذلك الاثر" استراتيجية القص لدى الكاتب: اذ تقدم لوناً من التفاعل المضمر والمحبوك باتقان شديد بين الراوي والمؤلف، حتى ليكاد احدهما يتراءى خلف الآخر، فهو كهل قد اصبح جدا، مصري من اصل قروي، فنان مفكر يتأمل الاحداث الصغيرة ليصل عبرها الى دلالة كلية كبيرة، وهو يمتاز بقدرته على التعبير المحكم، والايقاع السردي المضبوط، بحيث يمضي في حركة متسقة تبدأ من الجزء لتفضي الى الكل، وتقارب الحس المنظور حتى تصل الى التجريدي البعيد. تبدأ القصة بملاحظة عابرة يطلقها طفل بريء تعوّد على طرح الاسئلة البديهية التي تنكأ الجراح الغائرة يقول لجده الذي يمشط شعره: - ليس عندك شعر يا جدي. فينفجر شلال الذكريات الموجعة في رأسه، لقد تعوّد على تمشيط شعره من اليمين الى اليسار لا ليقلد النجم اللامع في عصره انور وجدي فحسب، بل لكي يغطي منطقة جرداء من رأسه اثر عملية كيِّ تعرّض لها في طفولته، وتتداعى الذكريات لديه عن تلك العملية وعما خلفته في نفسه من ندوب عميقة من الخوف وفقدان الثقة خاصة في الأحبة الذين لا نفهم سر غدرهم بنا. وهنا نجد حركة المعنى وهي تمضي بهذا الاتساق العفوي الظاهر من الجسد الى الروح تعطي للنص دلالته وقوته، خاصة وهي تتوازى مع ذكريات اخرى اشد مضاضة وإيلاماً لنفس الراوي المغترب المتماهي مع الكاتب. فهو لا يفهم سر القلق والتوتر الذي اعتراه من جملة الاطراء التي تبرع له بها احد المواطنين في مغتربه: -إن فيك تلك الطيبة التي تميز عامة المصريين. فها هو يدرك ان هذه الطيبة ليست سوى مظهر للخوف من المجهول والجبن عن مواجهة الكائن العملاق الذي يمكن ان يطبق عليه باصابعه الضخمة مثلما اطبق العم على الطفل لحظة الكيّ، هكذا نصل من ندبة الرأس الفردي الى جرح الروح الجماعي ومن تمشيط الشعر الى تفسير التاريخ. لكن الذي يأسرنا في هذا القص هو نبرة الصدق الحميم المضمخ به، وهو ليس هذا النوع من الصدق الساذج القريب، بل فيه من المكر والدهاء ما يميز الفن الاصيل، ويتمثل على وجه التحديد في تخليق لون من التخيل المشاكل للواقع، الكفيل بأن يقنعنا بأن هذا ليس من قبيل المحتمل فحسب، بل هو يتضمن علامات الحقيقة الماثلة فيه. ففي القصة التالية "مفاجآت سلمى عواد التي لا تنتهي" نجد الراوي ايضا يتراءى خلف المؤلف الضمني، فهو رئيس قسم في مؤسسة تصدر مجلة، وإن كانت تتضمن اقساماً اخرى يعمل بها مهندسون وغيرهم، وهو يقيم في بلد غريب بين غرباء يتآلفون ويتناحرون، يكيد بعضهم لبعض، وتحتدم بينهم اواصر المودة وعوامل الصراع في الآن ذاته، وقد جاءت لقسمه كالنسمة الرقيقة سيدة شابة بالغة الجمال والبراءة والخطورة معا، تنسج معه لعبة صداقة تتوطد على مراحل حتى تصبح حباً غير معلن، لكنها تنسجها على اساس طريف من الحوار المتواصل عن عدد من التحقيقات الصحافية تتمثل في سيل من الاسئلة الساخنة عن علاقة الرجل بالمرأة واحتمالات الصداقة بينهما، ومواقف الغيرة والخيانة الادبية خارج الفراش. على ان المدهش في تقنية هذه القصة والممتع في الآن ذاته، انها تتوزع على فترات متنقلة بين عدد من المفاجآت، تبدأ من نهايتها المفتوحة، عندما تتصل به سلمى بتشويق مثير وهو في القاهرة اثر عودته اليها بعد احداث تشبه الزلازل والحروب الكونية حرب تحرير الكويت تتصل به من عاصمة قريبة، تدعوه للحاق بها، بما يمكن ان يؤذن بتطور جذري لنوع العلاقة بينهما، فطالما أطلعته على دخيلة نفسها عرّت له روحها كما يقول، فهل جاء أوان تعرية الجسد؟ هنا يستعرض الراوي مراحل علاقته بها في قفزات رشيقة ترتبط بمفاجآته المدهشة، منذ انتقالها للعمل في قسمه، الى ازمة الاشاعة عن نشوب علاقة خاصة بينهما، الى احتدام الغيرة على زوجها - لا منه - لأن اهتمامه زاد بزميلة جديدة له، الى وقوع الكارثة الكونية وتشتت الصديقين دون وداع، ما يجعل لهذه القصة مذاقاً خاصا هو هذا النوع من الخيال المشاكل للواقع الذي يضمن لها درجة عالية من الصدق، يمكننا ان نعتبرها جزءا من سيرة الكاتب الابداعية الذاتية الداخلية، بالقدر نفسه الذي تمثل فيه فلذة حميمة من سيرة كل منا عندما يمارس التقارب الخطر للجمال الذكي للمرأة فيعقد معه علاقة حب غير معلن، لا تلبث ان تبددها الايام شذراً، غير هذا العطر المعتق، الكامن في اعماق الروح، والذي يجعل الحواس تنتفض من الدهشة عند تجدد اللقاء ويقظة الألفة الغامرة ونحن نكتشف انها لا تزال مفعمة بنضرة الحياة. تتفاوت اطوال قصص المجموعة بشكل لافت، دون ان يؤثر ذلك على إيقاعها السردي مادام العالم الذي تقدمه لا يشعرك بالاختزال المتعجل، ولا التمطيط البطيء. يكفي ان تلائم الشريحة التي تكشفها باتساق معقول، ومع انها تدور كلها تقريبا في دواخل الشخوص وبواطن نفوسهم لا تشهد حركة خارجية اثناء القيام بها بقدر ما تستحضر تداعياتها في ذاكرة الراوي، بينما يمارس لونا من البطولة الفعالة ولا يكتفي بدور المراقب الخارجي، فان هناك قصتين تحاولان النفاذ الى درجة اعمق من الباطنية، تدوران في عيادة طبيب نفسي على شكل "مونولوج" يغيب فيه صوت الطبيب المفترض. ومن الطريف ان كليهما لا يتصل بمشكلة نفسية صرفة، بل يمس قضايا اجتماعية ساخنة تبدأ من دائرة الزوجية لتنتهي الى المجتمع بأسره. فالقصة الاولى "دعوة مفتوحة" وهي من اقدم قصص المجموعة اذ انها مؤرخة في تشرين الاول اكتوبر عام 1881 - على انقطاع صلتها باحداث السادس من هذا الشهر ذاته - تناقش قضية نظرية هي الجدل المفتوح بين الحرية والعدالة، لتفضح ممارسات الانتهازية الذكية المدربة لرجال الاعمال وقدرتهم على ابتزاز العلماء، وهي تذكرنا بتلك المشكلات الذهنية التي كان يفترضها توفيق الحكيم ويكدح دراميا في سبيل اقناعنا بحيويتها وخطورة نتائجها، لانها تقدم باحثا يعمل في تصميم اختبارات القدرات العقلية والعملية، يحتضنه صاحب مؤسسة ناجحة ثم لا يلبث ان يستولي على ابحاثه وزوجته ايضا وهو يعترف امام طبيبه باستغراقه في البحث وسلبيته التي اعانت الرجل على سرق احلامه، على ان الاحداث لا تجسد هذا الصراع العقلي المزعوم بين الحرية والعدالة، بقدر ما تمس موضوعاً اخر هو غفلة العلماء عن الحياة وافتقادهم للقدرات العملية في اداراتها وهم يزعمون انشغالهم بقيامها، ولا يضفي مكان السرد في العيادة اي طابع تحليلي عميق عليه، كما ان القصة التالية، وهي "حال غير مستعجلة" تعرض "مونولوجا" آخر مطولاً لزوجة تقص على الطبيب النفسي رؤيتها لسلوك زوجها الذي كان يعامل الدنيا - ومنها النساء - بحماس شديد، وعذابها في الغيرة عليه، حتى اذا ما فقد هذا الحماس انطفأت شهوة الحياة لديه، وحمل إهماله الزوجة نفسها حتى لتود ان يعود الى سابق عهده. والقصة تخلو بالطبع من الحركة الخارجية ولا تثير سوى التأمل في حركتها الداخلية في التحول بين الاضداد، غير ان هذا النوع من القص النفسي يندر ان يشعرك بلذة الاكتمال التي تستمتع بها في النماذج الاخرى. اما اذا انتقل المكان الى النادي فنجد الكاتب يدخل في قصة "الاعمى والبحث عن قطة سوداء" اللعبة التي دخلها شعر صلاح عبد الصبور في مباراته الطريفة مع احمد شوقي، كان امير الشعراء قد قال منذ زمن طويل نسبيا - منذ قرن تقريبا - عن الحب إنه يتولد من: نظرة، فابتسامة، فسلام .. فكلام فموعد فلقاء ففراق يكون فيه دواء .. او فراق يكون منه الداء اما صلاح عبد الصبور فقد وصف التحولات التي طرأت على الحب المعاصر قائلا: الحب يا رفيقتي قد كان/ في اول الزمان/ يخضع للترتيب والحسبان/ اليوم يا عجائب الزمان/ قد يلتقي في الحب عاشقان/ من قبل ان يبتسما ../ الحب في هذا الزمان يا رفيقتي ../ كالحزن لا يعيق الا لحظة البكاء/ او لحظة الشبق/ الحب بالنطانة اختنق. اما صاحبنا القصصي/ الراوي فهو يجلس في حديقة النادي بعد غيبة طويلة - دائما يحيل الى مرجعية تجربته الشخصية - ودفن رأسه في كومة الاوراق التي امامه - لن يلبث ان يقول انه قد دفن فيها عمره ايضا - ثم افاق كي يجد المقاعد كلها مشغولة بصمت وهدوء. استوقفته المنضدة المجاورة وعليها ولدان وبنتان في العشرينيات. وصفهما من الخارج بعين الكاميرا وكان كل ولد يجلس قبالة فتاة وبجوار صاحبه، حاول ان يحدس بالرابطة الثنائية التي تنعقد بين كل ولد وبنت محبين، استرق السمع ولاحظ الحركات فوصل الى نتيجة لم تلبث ان انهارات بحركات اخرى، عجز عن الربط، زاد الامر التباسا انضمام فتيات وفتيان آخرين الى المنضدة، كل منهم يقول "هاي" ويشارك في الحركات ذاتها، لاحظ التلقائية المدهشة التي يتصرف بها الاولاد والبنات، تلقائية تتجاوز الحب ذاته، فقد يكون الحب قائما هناك او غير قائم بالمرة، فهو في كل حالاته لا يحتاج الى نفي او اثبات، ربما كان امرا خاصا جدا لا يحتاج - عند من يعنيهم امره - الى تعبير عنه او دليل عليه. عندئذ ادرك الراوي ان كل مفردات الحب على ايامه النظرة، الابتسامة، الكلمة، لمسات الايدي، وحتى خبات الارجل، يتم تبادلها هنا فوق المنضدة او تحتها كنوع من العملة لا تختلف قيمتها من يد لاخرى، لم يجد بداً من ان يحمل اوراقه، ويمضي لحال سبيله فهو لا يعرف حب هذا الزمان. لكن المباراة الاقوى والاجمل فكريا يدخلها الكاتب في قصته المثيرة للاعجاب "الشوط الثاني" فهي من احلى ما قرأت في الدفاع عن كرة القدم في عالمنا المعاصر، كثيرا ما يعتبرها المثقفون وباءً يستهلك طاقة الناس في رياضة لا يمارسونها بأجسامهم وينفضون فيها حماسهم الاحمق ربما لاستقطاب النساء وشغلهم عن قضايا مصيرية، خاصة في العالم الثالث، كي يتذوقوا حلاوة انتصار وهمي وهزيمة رمزية. الكاتب بطبيعية الحال يعقد جلسة ودية بين عدد من المثقفين في بلد غريب يحتفلون فيها بانضمام صديق قديم اليهم، ومع ان من يسميهم "ملوك الحديث" يصمتون فان صاحب البيت قد فاجأهم فتح التلفاز على احدى مباريات كأس العالم عام 1990. يرصد القصاص تراوح ردود افعالهم بين التوتر حينا والارتياح حينا آخر لانصرافهم عن السياسة الى مشاهدة كرة القدم. عندئذ ينبري "ملك الصمت" وهو المضيف ذاته - ليفند الاقوال ضد كرة القدم باعتبارها ملهاة جديدة تقوم بتطهير الناس من الصراعات لكي يقدم رؤية متماسكة لمآثر هذه اللعبة، حيث يجد الناس فيها مالا يجدون في لعبة الحياة اليومية من وضوح الصراع وخضوعه للقانون ومراقبة الحكام والجماهير. هنا تنتفي سيادة المصادفة او استمرار الخداع، كل الاشياء التي يحلم بها الناس تتحقق على ارض الملاعب الحضراء حيث تلتقي الحرية والنظام، ويقوم الامتياز الفردي بدوره في صناعة البطولة واساطيرها دون الغاء الاطار الجماعي للفريق، و يرتبط الفعل بنتائجه الحتمية ايجاباً وسلبا في عدالة فورية لا تنتظر جهود المؤرخين، بالاضافة ما يسود المدرجات من مساواة ديموقراطية، وما يسود الفرق ذاتها من مساواة وتكافؤ في الفرص مهما كانت الدول التي تنتمي اليها صغيرة او كبيرة، إنها تعطي درسا انسانيا في الحرية والابداع والديموقراطية بحيث تصبح القصة انشودة جميلة لهذه الرياضة. على ان اعجابي بالجرعة الفكرية لهذه القصة سرعان ما فتر بعد قراءتي للقطعة الاخيرة في المجموعة وهي بعنوان "في المرآة .. ملامح من وجوه" فخطورة التأمل انه قد يغطي على التقنية الفنية ويبطل سحرها الخاص. وهذه القطعة مجموعة من التأملات التي تهدف الى تقديم صور لملامح قد تجتمع او تنفرد فيك او في احد اصدقائك. لكن الكاتب يقدم هذه الملامح موصوفة غير مجسدة في مواقف ولا احداث، يسلب منها هيكلها الحي ودمها الساخن لتبقى مجرد رسوم تخطيطية لصور لم ترسم بعد، او افكار متناثرة لقصص تود من يكتبها مرة اخرى. من هنا فإنه يختمها بهذه الكلمات الحكيمة "لعلنا جميعا نحمل في وجوهنا بعض ملامح هذا الوجه الذي رأيناه في المرآة" واقصى ما تصل اليه هذه الصور ان تكون مشروعا لقطع اخرى جسورة ومرهفة، تقدم لوحات لاشخاص خبرهم الكاتب وعرف دخائلهم بحيث اصبح قادرا على ان يجسدهم ويسخر منهم اذا تنازل عن تلك الطيبة التي اوجعته، وعاد الى طبيعته الصادقة الجارحة التي لا ترحم ولا تتوانى في الحق، ولعل اللوحات الشخصية الحادة التي كتبها زميله ورفيق صباه سليمان فياض ان تكون نموذجا لهذه الرسوم المحفورة في الذاكرة والوجدان. أما هذا التجريد النظري الذي يركن اليه ابو المعاطي في نهاية مجموعته فانه لا يكفي لتكوين العوالم المكتملة المفعمة بالحياة وإن امتعت عقولنا وقلوبنا بالفكر الناضج والتأمل العميق لفنان مخضرم يعرف اسرار الكتابة ويجرب - في حرص شديد - طرائقها الفنية المتعددة. * ناقد مصر