أذكر من أحداث هذا القرن نصفها، أي تلك التي دارت في النصف الثاني منه. وإذا كنت لا أذكر ضياع فلسطين وقيام اسرائيل سنة 1948، فإنني أذكر العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، بل أذكر زميلاً لي في المدرسة الابتدائية قال انه "نظف البارودة" للمساهمة في الدفاع عن مصر، ونصحني ان أفعل مثله، فقد كنا نصطاد العصافير الصغيرة معاً في نهاية الاسبوع، ففعلت، ولم نطلب لأداء واجبنا القومي سنة 1956، أو في أي حرب لاحقة. عندما عدت الى أحداث القرن، وجدت انني من جيل التلفزيون، فالأحداث الكبرى التي أذكرها سجلها التلفزيون، وإعادة بثها تثبتها في عقول الناس. غير ان الأحداث قبل ذلك لا توجد الا في الكتب والمراجع، أو في أفلام محفوظة في مكتبات مختصة. وسأحاول اليوم وغداً أو بعده، وقد دخلنا الشهر الأخير من هذا العام، ان أسجل أهم أحداث القرن، من المراجع والذاكرة، فأبداً بما لم أشهد، ثم أكمل بما عاصرت. الملكة فيكتوريا التي أعطت القرن التاسع من اسمها عبارة "العصر الفكتوري" افتتحت القرن الجديد بوفاتها في 22 كانون الثاني يناير 1901. ولن أدخل في جدل جديد حول نهاية قرن وبداية آخر، وهل نهاية 1999 هي نهاية القرن، أو ان القرن العشرين لن ينتهي إلا بنهاية السنة ألفين. لذلك اكتفي بتسجيل ان الملك همبرت، ملك ايطاليا، اغتيل في 31 تموز يوليو سنة 1900، من دون ان أصر على أنه اغتيل في هذا القرن، أو القرن الماضي. أظرف ما وقعت عليه وأنا أراجع أخبار القرن كان دليلاً آخر على ان لا جديد تحت الشمس، ففي مطلع سنة 1907 كان أمام البرلمان البريطاني في دورته الجديدة اقتراح بحفر نفق يربط بريطانيا وفرنسا. وتكلف بتنفيذه شركة خاصة. وصحيفة "مانشستر غارديان" حذّرت في حينه من خطر تحميل الدولة المسؤولية عن كل أخطار المشروع وخسائره، وإعطاء الشركة المنفذة الأرباح، ودعت الى رفض المشروع الذي تأخر تنفيذه في النهاية 80 عاماً. وتوقفت عند خبر عن غرق السفينة "تايتنك" في رحلتها الأولى بين ساوثمبتون ونيويورك، في نيسان ابريل 1912، ما أسفر عن غرق أكثر من ألفي مسافر. واحتفظت "تايتنك" بشهرتها على مر السنوات بفضل عدد لا يحصى من الأفلام كان أفشلها "تعويم تايتنك" الذي كلف مئتي مليون دولار، وأفلس ستوديو لفشله لدى الجمهور، وانجحها الفيلم الأخير "تايتنك" الذي فاز في آذار مارس الماضي بإحدى عشرة جائزة أوسكار، بما فيها أفضل فيلم لمخرجه جيمس كاميرون. طبعاً لا يمكن ان يكتمل أي حديث عن القرن، من دون إشارة الى قيام الشيوعية سنة 1917 وسقوطها سنة 1989 - 1990. ووجدت مقابلة مع لينين في جريدة انكليزية تعود الى سنة 1919 يقول فيها حرفياً "ان النظام السوفياتي هو الأفضل والعمال البريطانيين والفلاحين سيقبلون به". وعلى سبيل التذكير، فما سهل نجاح الثورة الشيوعية في روسيا هو الحرب العظمى. وعلى سبيل التذكير مرة ثانية، فالشرارة التي أطلقت تلك الحرب كانت اغتيال الارشيدوق فرانسيس فرديناند، ولي عهد النمسا وزوجته دوقة هوهنبرغ في سراييفو. وكانت البوسنة والهرسك تحت الاحتلال النمساوي منذ 1878، وعاشت سراييفو لتدفع الثمن في حروب البلقان الأخيرة. هل كان بدء الحرب العالمية الأولى أهم خبر؟ أم نهايتها؟ أو هل كان موت الملكة فكتوريا أو اغتيال ولي عهد النمسا. لا يوجد مقياس، كمقياس ريختر للزلازل، نقيس به أهمية الاخبار. وثمة ناس يعتبرون أحداثاً رياضية معينة أهم أخبار القرن. لذلك فأنا أسجل الاحداث من دون ان اعتبر احدها أهم من الآخر. ولا بد ان بعض البريطانيين لا يزال حتى اليوم يعتبر تنازل الملك ادوارد الثامن عن العرش سنة 1936 ليتزوج الاميركية المطلقة المسز سيمبسون، أهم أحداث القرن. هناك ألف حدث أهم منه، واسجل فقط قرار تقسيم فلسطين الذي صدر بغالبية 33 صوتاً مقابل 13 صوتاً وامتناع عشرة عن التصويت في أول كانون الأول ديسمبر 1947، ثم قيام اسرائيل في 15 أيار مايو من السنة التالية. قدامى المحاربين، وثمة بقية باقية منهم من الحربين العالميتين الأولى والثانية يذكرون مساهمتهم في هذه الحرب أو تلك. وتوقفت عند خبر عن اضطهاد النازيين الشيوعيين الالمان وقتلهم، وتحقيق منشور سنة 1934 عن معسكر داشاو، وسوء معاملة السجناء فيه. وطبعاً فقد اكتسب معسكر الاعتقال هذا سمعة اسوأ كثيراً خلال الحرب بعد ارسال اليهود اليه وقتلهم في أفران الغاز. خبران من عصر ما قبل التلفزيون توقفت عندهما: الأول يحمل تاريخ 24 ايار مايو 1934، ويتحدث عن خارجين عن القانون في بلدة شريفبورت بولاية بنسلفانيا، هما كلايد بارو وبوني باركر. ولا بد ان قراء كثيرين يذكرونهما مثلي من الفيلم المشهور "بوني اند كلايد". والثاني يحمل تاريخ 15 كانون الثاني يناير 1935 عن افتتاح الملك غازي في كركوك خط أنابيب طوله ألفي كيلومتر لنقل البترول العراقي الى ميناء حيفا في فلسطين. ما سبق كله سبق عصر التلفزيون، وأكمل غداً بالنصف الثاني من القرن، أو النصف الذي عاصرناه على التلفزيون.