في مثل هذا اليوم من سنة 1912 غرقت السفينة "تايتنك" وغرق معها 1513 شخصاً من ركابها وبحارتها. ولكن حلّقت في المقابل أسطورة السفينة الغارقة حتى يومنا هذا. كان يفترض ألا تغرق "تايتنك"، فهي صممت بقعرين مزدوجين، وقسّم هيكلها في 16 مقصورة مستقلة، على أساس أنه حتى لو امتلأت أربع مقصورات بالماء لما تأثرت قدرة السفينة على العوم. وهكذا كان ان أبحرت تايتنك من ساوثامبتون الى شيربورغ، على أن تتوقف في كوينزتاون كوب الان، في ايرلندا، ثم تعبر المحيط الأطلسي الى نيويورك. غير أن الطوف الجليدي الذي صدم السفينة فتح هوة واسعة في نصف مقصوراتها، فغرقت السفينة التي كان وزنها 46 ألف طن، بارتفاع مبنى من 17 طبقة، وطفت أسطورتها. وربما اعتقد القارئ أنه سمع كل شيء عن "تايتنك" وأسطورتها، غير أننا نقرأ في الواقع كل يوم شيئاً جديداً، وكنت قرأت أخيراً أنه غرق مع السفينة قطاع التأمين على السفن في بريطانيا، فقد أفلست شركة كبرى ودمجت شركات أخرى، لأن "تايتنك" كانت موضع تأمين بمبلغ مليون جنيه استرليني، وهو مبلغ هائل في عرف تلك الأيام، وبما ان شركات التأمين صدقت أن السفينة لا تغرق، فقد كانت البوليصة في الواقع الى جانب السفينة لا شركات التأمين، وكانت النتيجة أن سوق التأمين أصيبت بضربة لم تفق منها إلا بعد سنوات. ونعرف الآن أن انتاج جيمس كامرون أنفق 200 مليون دولار في اخراج فيلم "تايتنك" الذي فاز بإحدى عشرة جائزة أوسكار أخيراً. وكان الفيلم، قبل فوزه بعدد قياسي من جوائز أوسكار لم يحقق مثلها سوى فيلم "بن هور"، بدأ يسجل أرقاماً قياسية في الاقبال عليه في دور السينما، وهكذا قرأنا في 14 من الشهر الماضي ان "تايتنك" تفّوق على فيلم "حرب النجوم" دخلاً، ثم قرأنا في 22 منه أن الفيلم سجل 14 أسبوعاً متواصلاً على قمة أكثر الأفلام دخلاً، وهزم بذلك فيلمي "توتسي" سنة 1982 و"شرطي بيفرلي هيلز" سنة 1984، اللذين بقي كل منهما على رأس القائمة 13 أسبوعاً متواصلاً. وبقي "تايتنك" متربعاً على رأس القائمة 15 أسبوعاً متواصلاً إلى أن هزمه قبل أسبوعين فيلم "تائه في الفضاء"، وهو بمعنى "التيه في الفضاء". ولم يطل وجود "تائه في الفضاء" على رأس القائمة، فأمس قرأت أن الفيلم "مدينة الملائكة" تصدّر القائمة الاسبوع الماضي، وحلّ "تائه في الفضاء" ثانياً، و"تايتنك" ثالثاً. وتجاوز ما حصد "تايتنك" من أسعار التذاكر في أميركا الشمالية في الأسابيع الخمسة عشر، وهو على رأس القائمة 600 مليون دولار، وهو مبلغ يبدو أكبر كثيراً من رقم 461 مليون دولار التي حققها الفيلم "حرب النجوم". غير أن أنصار هذا الفيلم الذي أخرجه جورج لوكاس يقولون ان دخل فيلمهم المفضّل، إذا أخذنا معدلات التضخم في الاعتبار، هو في الواقع 812 مليون دولار بعملة اليوم. وإذا قبلنا هذا النوع من الحساب فإن فيلم "ذهب مع الريح"، الذي وزع سنة 1939، يظل أعلى الأفلام دخلاً لأنه بعملة هذه الأيام يكون حقق 1.29 بليون دولار. ولا تهمني الأرقام، فهي مهمة لأصحابها، ولكن استطيع أن أقول ان الأفلام السابقة كلها جميلة، والمتفرّج مثلنا ربما يرى 50 فيلماً عادياً أو مئة فيلم، قبل أن يرى فيلماً من نوع "ذهب مع الريح" أو "تايتنك". بعض هواة السفينة "تايتنك" والفيلم اختاروا هذا اليوم لبدء رحلة تستمر حتى الجمعة من حوض بناء السفن حيث بنيت "تايتنك" الى ميناء ساوثامبتون من حيث أقلعت في رحلتها الأولى والأخيرة. وقرأت ان الرحلة ستشمل وضع أكليل على نصب الضحايا أمام مجلس بلدية بلفاست، وعشاء من نوع ما قدم لمسافري الدرجة الثالثة في 14 نيسان ابريل 1912. كذلك ستشمل الرحلة زيارة كوب، حيث توقفت السفينة قبل أن تبدأ رحلتها عبر المحيط. والسفينة غرقت لكن الأسطورة باقية تتجدد.