الذين يتحدثون عن عدم جدوى الرقابة التقليدية على شبكة الانترنت، والمتمثلة في المصادرة والحجب، ليست لديهم ميول إلى نشر الفساد في الأرض. لكنهم محبطون من أسلوب تعاطي بعض الدول العربية مع هذه الشبكة التي دخلت بيوت الناس من دون اذن او مشقة. لا أحد يحب أو يرغب في أن يرى أفلام الجنس والرذيلة وطرق صنع القنابل والأسلحة الجرثومية ميسرة للكبار والصغار. لكنه مدرك أن أسلوب الرقابة الحالي لن يفعل شيئاً، وربما أصبح حافزاً قوياً لجعل الوصول الى تلك المواقع التي تخشاها المجتمعات هدفاً بحد ذاته، ولو من باب الفضول وتحقيق مقولة "كل ممنوع مرغوب". هذه القضية الشائكة أثيرت في الولاياتالمتحدة مع بداية الانترنت وتحمست لها المنظمات الانسانية داخل المجتمع الاميركي مطالبة بمنع نشر المواضيع الإباحية أو تلك التي تساعد في انتشار العنف داخل المجتمع. ورغم شرعية هذه المطالب وموضوعيتها إلا أنها قوبلت بالرفض التام من الدوائر الرسمية الأميركية، خشية أن يقود منع هذه المواد أو المواقع إلى قائمة طويلة من الممنوعات، وهو مايتنافى مع نظام حرية تدفق المعلومات التي تقرها القوانين الأميركية، فضلاً عن استحالة حجب هذه المواقع بالطرق التقنية. وطالبت الحكومة الاميركية هذه الجمعيات بالبحث عن أساليب عملية للتعاطي مع هذه المشكلة، واقترحت التفكير بطرق اكثر جدوى. وربما تشهد السنوات المقبلة تحالفا دوليا عبر المنظمات غير الرسمية لمواجهة هذه المشكلة التي باتت تهدد اخلاق كل المجتمعات من دون استثناء. اما نحن في العالم العربي فلا نزال نراقب الانترنت مثلما نراقب المطبوعات. فتحولت هذه الرقابة "التقليدية" الى وسيلة لإثارة القراء في البحث عن تلك المقالات والأخبار على شبكة الانترنت. كأن الرقابة هنا تحولت الى اسلوب جديد لتسويق الممنوع السياسي. حين نتحدث عن عدم جدوى ما يحدث للانترنت في بعض البلاد العربية انما نريد القول "ان الشمس لا تحجب بغربال" وان ما يجري حالياً هو اجراء لإرضاء اصحاب المصالح السياسية لكنه لن يفعل شيئاً لحماية المجتمعات. والعقلانية تلزمنا ان نخرج من منطق الرقابة التقليدية الى الإيمان بأن المنع برغبة فرد أو أفراد أو جهة أو حكومة انتهى وقته. وشبكة الانترنت وسيلة متاحة لكل الناس والأمانة تقتضي أن يشارك الجميع في التصدي لهذه المشكلة، وتشارك المجتمعات كلها في اختيار الأسلوب الذي ترتضيه لنفسها. وخلاصة القول أن أي حديث عن حرية تدفق المعلومات ورفع الوصاية عن الشعوب ينبغي ألا يحارب بمنطق التجريم والتخوين. الأكيد ان الانترنت ارست زمن الفرد. واصبح بإمكان اي انسان ان ينقل رأيه للعالم بالسهولة التي يتلقى بها آراء الآخرين. وأمام تحدٍ من هذا النوع فإن ديموقراطية التفكير باتت واقعاً لا فكاك منه. وعلى الدول العربية أن تتخلى عن هذه الوصاية وتشرك الناس في صنع قرار مراقبة هذه الشبكة، والبحث عن حلول.