قدّم الحزب الشيوعي الفرنسي الى الجمعية الوطنية البرلمان مشروع قانون دستوري يقضي بالسماح للأجانب المقيمين في فرنسا، بالإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات المحلية، في مسعى رسمي، يأتي بعد مضي 18 سنة على طرح هذه الفكرة في إطار الحملة الإنتخابية للرئيس الراحل فرانسوا ميتران سنة 1981. وينّص مشروع القانون الذي أعدّه النائب الشيوعي برنار بيرسينجر، على إعطاء الأجانب، من غير رعايا دول الاتحاد الاوروبي، المقيمين في فرنسا أكثر من خمس سنوات حق الإقتراع والترشيح في الإنتخابات المحلية. ويأمل الحزب الشيوعي في أن تتسنّى مناقشة وإقرار مشروعه هذا ليوضع قيد التطبيق في الإنتخابات البلدية المقرّرة سنة 2001. وبذلك فإن الشيوعيين الفرنسيين بادروا الى تجسيد فكرة كان ادرجها ميتران في اطار برنامجه الانتخابي المكوّن من 110 اقتراحات، وأدّى الى فوزه في الرئاسة، ومن ثم وضعت جانباً نظراً الى المعارضة التي واجهتها لدى اليمين الفرنسي، وبعض أوساط الرأي العام. وكان المسؤول عن الهجرة في الحزب الشيوعي الفرنسي سيرج غيشار، أكدّ في مقابلة أجرتها معه "الحياة" أن حزبه طالما أيّد فكرة إعطاء الأجانب، من غير الأوروبيين، دوراً في إختيار المسؤولين المحليين، باعتبارها وسيلة من وسائل الإندماج. واعتبر غيشار، أنه من غير الجائز مطالبة الشبّان المتحدّرين من مهاجرين بالإنخراط في الحياة العامة عبر الاقتراع والترشيح في حين أن ذويهم غير الحائزين مثلهم على الجنسية الفرنسية محرومون من هذا الحق. ويعتبر الحزب الشيوعي، بخلاف سنة 1981، ان الوسط السياسي الفرنسي والرأي العام على حدّ سواء أصبحا أكثر استعداداً لتقبّل مثل هذا الطرح، وأن هذا ما حمله على التقدّم بمشروع القانون الذي يشمل في حال تطبيقه حوالى 2 مليون أجنبي. وكان استطلاع للرأي أجراه معهد "سي اس اي" مؤخراً، أظهر أن 52 في المئة من الفرنسيين باتوا يقبلون مشاركة الأجانب في الإنتخابات المحلية، فيما اقتصرت نسبة المعارضين على 32 في المئة. وأشارت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان في تقريرها السنوي، الى تغيير يمكن وصفه بالجذري في موقف الرأي العام الفرنسي نتيجة عوامل عدّة، منها تحرّك المهاجرين غير الشرعيين للحصول على إقامات في فرنسا الذي سمح بالتعرّف الى أوضاعهم، والمزايا الإيجابية للإختلاط العرقي التي أظهرتها كأس العالم لكرة القدم السنة الماضية وتراجع مواقع الجبهة الوطنية الفرنسية. وبما أن الرأي العام لم يعد يشكّل عائقاً فعلياً، تبقى هناك مسألة إقناع القوى السياسية بجدوى هذه الفكرة، التي يؤيدها منذ سنوات عدّة حزب "الخضر" أنصار البيئة والحزب الشيوعي. أما الحزب الاشتراكي الذي يترأس الحكومة الفرنسية، فإنه منقسم حيال اقتراع الأجانب. فبعض نوابه أيّدوا استعدادهم لتأييد مشروع القانون في حين ان رئيس الحكومة ليونيل جوسبان والأمين العام للحزب فرانسوا هولاند يفضّلان تأجيل البت بها الى ما بعد انتخابات الرئاسة سنة 2002. أما وزير الداخلية الذي يتزعم "حركة المواطنين" جان بيار شوفنمان، فكان أشار خلال مقابلة تلفزيونية الى أن اقتراع الأجانب، فكرة قابلة للدرس. وفيما ترى بعض اوساط اليمين أن إعطاء الأجانب حق الاقتراع ليس بالضرورة فكرة سيئة، فإن أوساطاً أخرى ترى أنه أفضل طريقة لإثارة المزيد من النقمة والرفض حيال كل من هو أجنبي. ونظراً الى سيطرة القوى اليسارية على غالبية مقاعد البرلمان، فإن إقرار مشروع القانون الشيوعي، يبدو رهناً بتوحيد موقف اليسار منه، وبمصادقة مجلس الشيوخ، حيث الغالبية للقوى اليمينية ومن ثم ادراجه في الدستور خلال جلسة يعقدها المجلسان في قصر فرساي بطلب من الرئيس جاك شيراك. ونتيجة المواقف المتباينة والتعقيدات الاجرائية قد يكون متعذّراً دخول اقتراع الأجانب حيّز التطبيق في الإنتخابات البلدية المقبلة، لكن طرحه بالصيغة التي إرتآها الشيوعيون يخرجه من طور الفكرة ويجعله أمراً واقعاً لا بدّ للقوى المختلفة التعامل معه.