اكد بول بالطا الاختصاصي في العالم العربي والاسلامي في حديث ل"الحياة" ان بوتفليقة ينتهج بيداغوجية تثقيفية سياسية من شأنها مساعدته على النجاح في مناوراته الداخلية والخارجية على السواء، كما المح الى حتمية التقارب بين الجزائر واسرائيل بحكم المسار الذي تشهده العلاقات العربية - الاسرائيلية من جهة والعلاقات الفلسطينية - الاسرائيلية من جهة اخرى، واشار الى الصراع الاميركي - الفرنسي على المغرب العربي وخصوصاً في ضوء الزيارة الاخيرة لكل من شيراك وجوسبان الى المغرب… وحتمية تعامل الجزائر مع فرنسا. ما الذي لفت انتباهكم في توجه الرئيس بوتفليقة منذ توليه مقاليد الحكم… وهل كنتم تتوقعون ما يفعله الآن استناداً لمعرفتكم السياسية والشخصية لمساره كمراسل سابق لصحيفة "لوموند" ايام حكم الرئيس الراحل بومدين؟ - ان خطابه السياسي مرادف لبيداغوجية تعكس دراية تامة بمعطيات الواقع الجزائري واستطاع في فترة وجيزة ان يعيد الامل للجزائريين والنظر في قضايا مصيرية من دون التنازل عن مبادئه ولعل تدرجه في تناول مسألة اللغة اقوى دليل على صحة ما اقول… ويكشف المحلل لخطابه ان تناوله لا ينفصل عن الاطراف التي يعتمد عليها لتحقيق النهوض الاقتصادي سواء كانت في الداخل او الخارج. هل التقيتم به قبل عودته الى الجزائر… اذا كان الامر كذلك هل ترون انه استفاد من "هجرته" وكيف؟ - تحدثت معه قبل عامين في الامارات العربية… وتبين لي من جديد انه صاحب رؤية عميقة للعالم، ويعي تطوراته غير المناقضة لقناعاته المبدئية الامر الذي يذكرني بمواقف بومدين من الصراع العربي - الاسرائيلي مثلاً، كما انه استفاد من غيابه عن الجزائر ويحاول تفادي اخطاء بعض القادة العرب خصوصاً في المجال الاقتصادي. تعنون ان الاشتراكي السابق قادر على التعامل مع العولمة من دون الانسلاخ عن ماضيه والتضحية ببعض المبادئ… - بالضبط… وماذا عن "ديغوليته" الواضحة من خلال تجسيده لسياسة التوازن وتبنيه اسلوب الترهيب والترغيب مع فرنسا مثلاً؟ - انه يدرك حتمية التعامل مع فرنسا لاسباب جيوسياسية وتاريخية لكنه يعرف كيف يلعب الورقة الاميركية بمهارة لمساومة فرنسا، ونلاحظ ان مقاربته للعلاقة الفرنسية ديغولية الروح ويرفض - كما فعل بومدين - علاقة هيمنة يغذيها المتخيل التاريخي. الا تعتقدون ان سياق رحيل الملك الحسن الثاني زاد من "ضغطه ومرونته" في الحين نفسه وعلى فرنسا موازاة السعي الفرنسي في منطقة المغرب العربي الامر الذي يمكن ان يسمح لنا بالحديث عن صراع جديد بين فرنسا واميركا في هذه المنطقة؟ - لا شك في ان رحيل الملك الحسن الثاني ومجيء الملك محمد السادس سيسمحان لفرنسا باستغلالها لهذا التطور الجوهري وللجزائر مصلحة في توظيفه، وواضح ان زيارة شيراك وجوسبان للمغرب لا تخرج عن هذا النطاق، والملاحظ ان بوتفليقة لا يعتمد الاستفزاز في هذا السياق مجاناً حيال فرنسا والمغرب على السواء. وماذا عن هامش مناوراته الداخلية حيال الذين عاثوا فساداً في الجزائر من داخل، وخارج المؤسسة العسكرية؟ - هنا ايضاً يمكن الحديث عن بيداغوجية سياسية، وخلافاً للراحل بوضياف… لا يسعى لتخويف المافيا السياسية والمالية الى الحد الذي يمكن ان يؤدي الى اغتياله… لكنه يفكر في اسلوب الابعاد التدريجي والمفاوض ربما. ثم ان الوقت ما زال مبكراً للحديث عن الرشوة والفساد باسلوب بوضياف، ولعل حديثه عن ثورة ادارية يعكس بيداغوجيته المذكورة. وهل تعتقدون ان الوئام المدني يكفي لاعادة السلم للجزائر من دون رد الاعتبار للجبهة الاسلامية للانقاذ بشكل او بآخر؟ - اكد بوتفليقة ان الاستئصاليين فشلوا والشيء نفسه ينطبق على الحواريين ووفق في وضع الجميع امام الامر الواقع، واعترف بالواقع الاسلامي بصرف النظر عن مدى صحة نجاحه في التعامل مع رموز الجبهة الاسلامية للانقاذ، وشخصياً اعتقد انه لم يعد لها الوزن السياسي الذي كان لديها امام بروز تياري "النهضة" و"حماس" اللذين ساعدا الرئيس سياسياً. اخيراً ما هو تعليقكم على تأكيد الصحافة العربية والاجنبية على صحة اتصالات جزائرية - اسرائيلية بغرض تحقيق تطبيع محتمل؟ - حيال هذا… عكس بوتفليقة من جديد مهارة سياسية كما تعلمون… وهو يدرك انه لا يمكن ان يكون فلسطينياً اكثر من عرفات… ثم ان سياق السبعينات غير سياق اليوم.