لا أحد يعرف من الذي قام بتأليف هذا الخبر الكاذب، وقام بنشره وتوصيله الى مصر والمنطقة العربية حولها.. إن احدى وكالات الانباء هي المسؤولة عن نقل الخبر.. وقد فعلت ذلك دون تمحيص او تثبت او تحليل.. من هو مؤلف الخبر.. إنه عراف اميركي.. ويبدو ان هذا العراف شرب سيجارة من البنجو فاختلطت الامور في عقله وأحس بآلام الوضع، وهكذا وضع نبوءته الاخيرة.. وكانت النبوءة تقول إن اليوم الذي وقع فيه الزلزال المصري منذ سنوات سيتكرر مرة اخرى في اليوم نفسه وفي الشهر نفسه الذي وقع فيه الزلزال.. وتنبأ هذا العراف بان الزلزال سيكون قوياً.. ويبدو أن احدى محطات التلفزيون نقلت الخبر بوصفه خبرا طريفاً او خبراً مضحكاً.. ومبعث الطرافة هنا ان احداً لا يستطيع ان يتنبأ بحدوث الزلزال.. ولا أحداً يستطيع ان يتوقع زمن حدوثه، إن الزلازل تقع نتيجة تحركات في باطن الارض، وهي تحركات تبعد احياناً عشرات الكيلومترات عن سطح الارض، واحياناً تبعد مئات الكيلومترات.. اي انها تقع بعيداً عن كل محاولات الانسان رؤيتها أو مشاهدتها او التنبؤ بها... كل ما يمكن عمله مع الزلازل هو تسجيل درجة قوتها بعد أن تقع فعلاً.. المهم ان هذا العراف الذي سبك القصة وتنبأ بوقوع الزلازل قد وجد من وكالات الانباء او محطات التلفزيون من يحكي للناس نبوءته.. وهكذا وصلت القصة الى مصر.. ونشرتها بعض الصحف، وخلال طيران القصة من اميركا الى مصر، سقط بعض ريشها في الجو، وجاءت بصورة الخبر لا النبوءة. قرأ الناس النبوءة كأنها خبر.. كما انهم يقرأون الاخبار احياناً بوصفها نبوءات.. المهم ان الناس بلغتها الرسالة التالية: انه سيحدث اليوم زلزال ولا احد يعرف بالضبط متى سيحدث، ولكنه متوقع الحدوث اثناء الليل. لم يكن لدي اي علم بهذا الزلزال.. وفوجئت ان الهاتف يرن في بيتي.. كان المتحدث صديقاً خفيف الدم. قال لي: أمازلت في البيت. قلت له: لماذا؟ قال: ألم تسمع عن الزلزال قلت له: اي زلزال.. وحكى لي القصة.. قال إن الناس قد خرجت من بيوتها وهي تحمل ما خف حمله وغلا ثمنه، خرجوا خوفاً من الزلزال، اما الذين يشتركون في ناد من النوادي فقد ذهبوا الى ناديهم وجلسوا في الهواء الطلق.. اما الذين لا يشتركون في ناد رياضي فقد جلسوا في سياراتهم بعد أن ابتعدوا بها عن المساكن قدر الطاقة. ألا تريد ان ترى هذا المشهد؟.. قلت له: نفترض ان الزلزال سوف يقع في الساعة المحددة رغم استحالة ذلك.. أتظن ان النوادي ستكون بمنجاة من خطره لو وقع وكان زلزالاً كبيراً.. قال الصديق: إن الناس تجلس بعيداً عن المباني حتى إذا سقطت تسقط بعيداً عنهم قلت للصديق إن سقوط المباني صورة من صور الزلزال، ولكن الارض تنشق في الزلازل الكبيرة وتبتلع الجالسين فوقها وتغيبهم في جوفها.. قال: ماذا تريد أن تقول؟ قلت له: اريد ان اقول انها مسألة ليس لها من دون الله كاشفة قال: هل أمرّ عليك لترى مشهد الناس بعينيك وهم يجلسون جوار سياراتهم او في نواديهم بعيداً عن الاسقف والجدران؟. إنك تعيش في برج عاجي فلا ترى احيانا ماذا يجري في الشارع. سأمرّ عليك واعتبرها نزهة... او اعتبرها تغطية صحافية لمشهد لا يتكرر كثيراً.. اقنعني بالنزول فنزلت.. كان المشهد مثل يوم شم النسيم، وهو يوم يخرج فيه المصريون جميعاً من بيوتهم ومعهم سمك الفسيخ والبصل والبيض حيث يجلسون في الحدائق والنوادي كما يجلسون الآن هربا من الزلزال، مع فارق واحد.. هو غياب الفسيخ والبصل عن المشهد. كان الناس يخضعون جميعاً لرعب خفي، وكان العقل الجماعي قد استسلم لهذا الرعب ولم يقاومه حتى بالمنطق المعتاد. كان الاطفال ينامون في سيارات آبائهم، وكان الآباء يجلسون على مقاعدهم في النوادي او يجلسون في الحدائق، وعادت بي الذاكرة لمحتال هندي اقنع الناس يوماً ان القيامة ستقوم يوم الجمعة بعد القادم، وخرج الناس الى الحقول والحدائق والشوارع في انتظار يوم القيامة، ثم عادوا الى بيوتهم حين اقبل الصباح ولم يحدث شيء. وهذا ما وقع للهاربين من الزلزال في مصر، عادوا الى قواعدهم سالمين بعد هذه الليلة الليلاء التي لم يصل فيه الزلزال المزلزل.