أنهن مجردات من أسماء العلم المتداولة وذلك تعميماً "لحالتهن" وعدم حصر خبراتهن في اطار شخصية معينة. لذا تقتصر هويتهن على كونهن من الجنس اللطيف ويحملن تسميات أبجدية: A 26 عاماً رلى حمادة، B 52 عاماً كارمن لبس، وC 91 عاماً رندا الأسمر. هؤلاء الممثلات الثلاث سوف يؤدين ابتداء من 25 الجاري على خشبة "مسرح المدينة"، مسرحية "ثلاث نسوان طوال"، من اخراج نضال الأشقر واقتباس رندا الأسمر عن مسرحية للكاتب المسرحي الأميركي إدوار ألبي صاحب "من يخاف من فيرجينيا وولف؟". الوصف الأدق للمسرحية هو أنها غير مألوفة، فقد شاءتها نضال الأشقر تكريماً للمرأة عموماً وألقت عليها بصماتها الإخراجية المتميزة بالتجديد دوماً. ويظهر الجديد هذه المرة عبر ابتكار لم يعهده مسرحنا اللبناني قبلاً ويتمثل بالمداورة في أداء الأدوار بين الممثلات والذي ستشهدها العروض تباعاً. تجسّد المسرحية الشخصية الأنثوية في مراحل حياتها المختلفة وبأبعادها الإنسانية، وما يرافقها من تحولات وتقلبات وهواجس منذ عهد الصبا مروراً بالكهولة وصولاً الى الشيخوخة. تؤدي رندا الأسمر دور المرأة التي بلغت القمّة، واختزنت كمّاً كبيراً من التجارب والخيبات، وتتحدّث مثل كل العجائز عن ماضيها وذكرياتها واقفة عند خط النهاية متأهبةً للمغادرة في أية لحظة. "نكتشف علاقة هذه المرأة بالأخريان تدريجياً في سياق المسرحية، وهي تتميز بحكمتها وتعمقها في شؤون الحياة، ولا أريد أن أشرح المزيد وأدخل في التفاصيل كي لا أكشف عنصر المفاجأة في المسرحية"، تقول رندا. لا تضمّ المسرحية طوال ساعة ونصف سوى رجل واحد يبقى صامتاً ويتناوله الحوار كأب وابن وزوج يرافق المرأة في مختلف مراحل حياتها. أما القصة فليست كلاسيكية الحبكة حسب الأسمر، بل هي "عصارة تجارب وخلاصات من عالم المرأة منذ ولادتها حتى مماتها، وفيها الكثير من مجتمعنا اللبناني". وتضيف: "تهدف المسرحية الى دفع الناس كي يشعروا بشيء ما، إنّها تفتح الباب على روح إنسانٍ بكل ما تحويه من تساؤلاتٍ وعقدٍ ومسيرات وأحاسيس وخوف، وتدعو الى الغوص في أمور حياته اليومية التي باتت معهودة لديه وعادية وطبيعية، بينما ان فكرنا فيها نراها أعمق من الظاهر. تدفع المسرحية الى اكتشاف جدية بعض الأمور وكم أن كل شيءٍ يحتمل أن يكون جدياً أو هرطقة"، ليست "ثلاث نسوان طوال" عملاً نخبوياً حسب ما قد يلوح للبعض بل "يمكن حضورها على درجات مختلفة بدءاً من التسلية الى الفلسفة، فهي واسعة وشمولية تحوي شاعرية وفكاهة، وكثيراً من السخرية السوداء. إنها عمل خاص، ليس مضحكاً ولا سياسياً ولا تراجيدياً أو فلسفياً بل هذا كلّه" على ما تقول الأسمر. وعن اللعبة الإخراجية تعتبر أن "نضال الأشقر تحترم الممثل وتماشيه في رقّةٍ واحساس وتحترم خصوصيته وتصغي اليه جيداً. إنها تبني الأحداث من دون أفكارٍ مسبقة، لا شيء منزل عندها بل لديها سياق عام واحساس المشاهد وعينه وأذنه. وعموماً ان اللعبة الإخراجية صعبة جداً إذ تعتمد على خلق لحظاتٍ انسانية بتجاربها". السيدة بلغت ال52 عاماً وهي حسب كارمن لبّس "امرأة تعرف الماضي وتدرك جيداً الى أين تتّجه، هي امرأة هادئة ورصينة". وتقول لبّس: "ان ارتباط الممثلات بعضهن ببعض يحتم التعاون التام بينهن. ما من واحدة تطغى على المسرح، وينبغي على كل ممثلة أن تبقي ناظريها على الأخرى، فإن ركّزت على نفسها فقط يتضعضع التوازن. نحن نشبه 3 أعمدة، ان انحرف واحد تزعزع الكل". ليست المسرحية مباشرة أو شعبية، وتصفها لبّس بأنها "بعيدة من الفلسفة وتحمل شيئاً من البساطة ومن الغموض لكنّها متاحة للجميع". من جهة أخرى، ترى لبّس "أن أسلوب الإخراج جديد، ونضال الأشقر لم تحدّد دور كل واحدة منّا إلا بعد 20 يوماً من بدء التمارين، فهي تتعمّد أن يفهم الممثل الشخصيات كلها قبل التعمّق في دوره". أمّا رلى حمادة فتجسّد دور المرأة في ريعان شبابها وهي "لا تعرف شيئاً عن قدرها وتنتظر مجيء لحظاتها الحلوة". وتصف رلى المسرحية بأنّها "إنسانية بحتة، تتوجّه الى الرجل في الدرجة الأولى، لأنها تخبره عن المرأة في مراحل حياتها المختلفة وفي وجوه معيّنة وتعتبر حمادة أن المسرحية لم تجعلها تكتشف في نفسها أشياء جديدة "لأنها تحكي عن امرأةٍ لا تشبهني، ليس لها تطلّعاتي وأحلامي وطموحي وأشيائي الصغيرة، لكنها أتاحت لي الفرصة كي أتعرّف الى نوع جديد من النساء كنت أجهله ولا أحب أن أكون مثله". وعن تجربتها الأولى مع نضال الأشقر تقول حمادة: "إنها المرّة الأولى التي أعمل فيها مع امرأة، ونضال مخرجة تعتمد على عمل الجماعة وتتيح للمثل أن يقترح عليها وان أعجبها اقتراحه تنقّحه وتجعله على قياس رؤيتها المسرحية". وعن المداورة في الأدوار تقول "انّ مضمون المسرحية يحتمل هذا الأمر ونحن 3 ممثلات من جيل واحد، تعود خبرتنا الى 16 عاماً، لذا يمكننا القيام بهذا الاختبار الجريء والذكي والمبتكر". وتختم حمادة معتبرة "ان المسرحية غير معقدة وهي مشغولة في طريقة ستجعل الناس يحبونها حتماً". الأشقر : عالم المرأة يعود اعجاب المخرجة نضال الأشقر بمسرحية الكاتب الأميركي إدوارد ألبي الى أعوام "حين شاهدتها في بوسطن برفقة ابني عمر أعجبني النص كثيراً والمواقف والفكرة العامة وقلت في نفسي أنني سأخرج هذه المسرحية باللغة العربية". وتشكل هذه المسرحية حياة امرأة تتوزع على ثلاث مراحل "انها المرأة منذ لحظات تفتّحها الأولى على الحياة وعلى جسدها، منذ الأفكار التي انهالت عليها والقيم التي نشأت في عهدتها، المرأة في كل مراحلها وهمومها: الطفولة، العائلة، المدرسة، المجتمع، الزواج، الأمومة، التقوى، المرض، الشيخوخة والموت"، وتضيف الأشقر أن "العمل على نص إدوارد ألبي هو أشبه بالسفر في عالم هذه المرأة المنقسمة بين ماضٍ وحاضر ومستقبل، انها هنا على قمّة الذكريات وكأنّها تحيا في الواقع متطلعة الى الأيام الآتية". وعن اللعبة الإخراجية تقول: "لقد صرفت النظر كلياً عن تقديم مسرحية إدوارد ألبي كما كتبها هو. وبعد التعمق في المسرحية وأبعادها الإنسانية وجدت بدل العرض التقليدي لعبة ذهنية وجسدية فتحت لي آفاقاً جديدة تلج الى قمم جديدة وغريبة عند ألبي. لذا اخترت للمثلات الثلاث تمارين وارتجالات توصلهن الى الطريق عينه الذي اكتشفته بعد دراستي لهذا النص الممتع. وأظن أنها توصل الشخصيات الى الدهشة والى تراكمات تزيدها غنى. ومن التغييرات التي قمت بها جعل النساء ينسجن المسرحية بخيالهن على مرأى الجمهور وبمساعدة نص ألبي، حتى يصلن الى نهاية المسرحية أو الحياة عبر "لعباتٍ" متتالية وتراكمية مشهدية، ذكية، مضحكة، مؤسلبة، حزينة وشاعرية. كما انتقلنا أحياناً الى اللامعقول والطريف والخبيث والممتع للعين والأذن، الى المعلن واللامعلن في حياة امرأة. كل هذه التمارين والارتجالات أوصلتنا الى مشارف عالم اخترته لهذه المسرحية عن المرأة وحياتها". وعن تشكيل الأدوار بين الممثلات تقول الأشقر: "يشبه هذا العمل أسلوبي الذي اتبعته منذ بداية عملي المسرحي"، وتختم "لقد اشتغلنا على الصوت، النص والجسم. اخترعنا كل اللعبات التي جعلتنا نصل الى المكان الذي أردنا أن نصل اليه. كلنا اكتشفنا ألبي بطريقة ثانية. أنا أكتشفت الممثلات، وهنّ اكتشفنني، وسعادتنا ستكون كبيرة عندما يكتشف الجمهور هذا العمل الذي عملنا عليه لمدة شهرين".