صعدت جماعات الضغط الأميركية والكندية حملتها ضد الشريك الكندي في مشروع نفط السودان شركة "تاليسمان انيرجي" لكن المستثمرين وأسواق المال وضعوا ثقتهم في الشركة ودفعوا بأسهمها الى مستويات جديدة بدعم قوي من محللين ماليين زاروا السودان الاسبوع الماضي واطلعوا على الأوضاع عن كثب. وتشارك "تاليسمان انيرجي" بحصة 25 في المئة في مشروع النفط الذي بدأ الانتاج الفعلي في أيلول سبتمبر السنة الجارية، وتقدر استثماراتها في العمليات الانتاجية والتصديرية بنحو 500 مليون دولار أميركي ويشاركها شركة النفط الصينية بحصة أغلبية 40 في المئة وشركة النفط الماليزية "بتروناس كاريغالي" علاوة على الحكومة السودانية. وحصلت "تاليسمان" على حصتها بموجب صفقة عقدتها مع صاحب الامتياز الأصلي شركة "اراكيس انيرجي" الكندية العام الماضي الا أن الصفقة لم تنحصر في الجانب الاستثماري بل شملت كذلك تركة ثقيلة من الحملات الاعلامية التي تستهدف انهاء المشاركة الكندية في المشروع بحجة أن عائدات النفط تدعم موقف الحكومة السودانية في الحرب الأهلية المستعرة في جنوب البلاد. وتلقت جماعات الضغط دعماً غير مباشر حين انتقدت وزيرة الخارجية الأميركية مادلين اولبرايت أواخر الشهر الماضي شركة "تاليسمان" بدعوى مساهمتها في تمويل نظام تتهمه واشنطن بمناصرة الارهاب وكذلك حين هددت الحكومة الكندية لاحقاً بفرض عقوبات على الشركة في حال ثبت لها أن الحكومة السودانية تستخدم عوائد النفط بغرض التسلح. وكان وزير الخارجية الكندي لويد اكسورزي أعلن في وقت سابق من الشهر ارسال بعثة لتقصي الحقائق في السودان ووجه في الوقت نفسه دعوة الى الحكومة السودانية وقيادة الجيش الشعبي لعقد محادثات على الأراضي الكندية ضمن مبادرة ديبلوماسية قابلتها الحكومة السودانية بالترحاب على لسان وزير خارجيتها مصطفى اسماعيل الذي تحدث الى الصحافة الكندية في اتصال هاتفي الاسبوع الماضي. وأعرب الناطق الرسمي باسم الخارجية الكندية ستيوارت ويلير ل"الحياة" عن تقدير بلاده لموقف الحكومة السودانية من مبادرتها الديبلوماسية وجدد استعداد وزير الخارجية الكندي الذي يقوم حاليا بزيارة الى تركيا لعقد لقاءات منفصلة مع كل من وزير الخارجية السوداني وقائد الجيش الشعبي في اوتاوا بغية تقريب وجهات نظر الطرفين في اطار تأييد كندا لجهود لجنة الوساطة الأفريقية "ايغاد". ورحبت الخارجية الكندية أيضاً بما أبداه مصطفى اسماعيل من استعداد حكومته التام للتعاون مع بعثة تقصي الحقائق، التي من المقرر أن تغادر الى السودان في وقت لاحق من الشهر الجاري، لكنها رفضت اتهامات سودانية بالسماح لواشنطن بتقرير سياستها وقال ويلير: "هناك اتهامات تطاول أعمال الشركات الكندية في الخارج ونحن نأخذ هذه الاتهامات محمل الجد ولكنا أكدنا بوضوح أن تطبيق عقوبات اقتصادية مرهون بنتائج مهمة البعثة الكندية". ويعتقد المراقبون أن حديث وزير الخارجية الكندي عن العقوبات علاوة على استمرار الحملات الاعلامية أثرا سلباً على موقف "تاليسمان" وجاء في هذا الاطار تهديد أطلقه أحد أكبر اتحادات المعلمين في كندا بحرمان الشركة من استثمارات سهمية تقدر قيمتها بزهاء 125 مليون دولار، ما يعادل 3.3 في المئة من اجمالي القيمة السوقية للشركة، في حال ثبتت صحة الاتهامات المتداولة عن ارتكاب خروقات لحقوق الانسان في السودان. الا أن "تاليسمان" التي خسرت معركتها ضد جماعات الضغط، لا سيما مع اصدار لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة تقريرها عن السودان أول من أمس، قامت بمحاولات يائسة للدفاع عن موقفها لدى المستثمرين وبادرت الى تنظيم جولة ميدانية لمجموعة من محللي صناعة النفط والغاز في الولاياتالمتحدةوكندا في السودان ومناطق الانتاج في الاسبوع الماضي. وطبقاً لتقارير صحفية عادت غالبية المحللين بانطباعات جيدة تلعب لصالح الشركة الكندية واستمرار مشاركتها في المشروع السوداني وتلخصت مجمل الانطباعات في تقرير لمبعوث احدى المؤسسات الاستثمارية الكبيرة التابعة لمصرف "امبيريال بنك اوف كوميرس" في تورونتو جاء فيه: "الحرب الأهلية مستعرة منذ سنين ولكن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح.. النفط يتدفق وكل المسؤولين السودانيين أكدوا لنا أن العائدات ستستخدم لأغراض حسنة". ودافع أحد كبار محللي مؤسسة "ليمان براذرز" الأميركية بحماس عن مشروع النفط وفوائده للسودان فيما قال أحد محللي مؤسسة "ناشيونال بنك فاينانشال" الاستثمارية الكندية عن مشاركة "تاليسمان" في المشروع: "في نهاية المطاف وعلى رغم أن هناك حاجة لعمل الكثير في الجنوب فإن هذه الشركة تاليسمان تفعل الكثير من الأمور الحسنة في هذا البلد". وانعكس موقف المحللين على أداء أسهم "تاليسمان" في أسواق المال فبعدما خسرت هذه الأسهم ما يعادل نسبة 12 في المئة من اسعارها منذ تعرضت للتهديد بالعقوبات عادت وعوضت الجزء الأكبر من خسائرها في اليومين الأخيرين لتقفل أمس على 26.2 دولار للسهم، كما توقع بعض المحللين أن يتضاعف سعر السهم في 12 شهراً. وتعتبر "تاليسمان" أكبر الشركات الكندية الناشطة في الأسواق الخارجية بحر الشمال واندونيسيا والسودان وشكل دخلها من مشروع النفط السوداني في الأشهر التسعة الأولى من السنة الجارية نحو 1.9 في المئة من اجمالي عائداتها التي بلغت نحو 900 مليون دولار ، وتتوقع الشركة أن ترتفع عائداتها الى زهاء بليون دولار في السنة المقبلة.