هددت كندا بفرض عقوبات على شركاتها العاملة في مشاريع انتاج النفط في السودان بحجة مشاركتها بشكل غير مباشر في تمويل الحرب الأهلية المستعرة في الجنوب منذ أكثر من 16 عاماً والمساهمة في إطالة أمدها. ووضع التهديد علامة استفهام كبيرة على مستقبل عمليات شركتين كنديتين على الأقل أهمها شركة "تاليسمان انيرجي" التي تساهم بنسبة 25 في المئة في مشروع النفط السوداني المقدرة نفقات تطويره بنحو 7.1 بليون دولار أميركي. إلا أن الحكومة الكندية وجهت في الوقت نفسه دعوة مفتوحة إلى الحكومة السودانية وقيادة الجيش الشعبي لعقد محادثات على أراضيها ضمن مبادرة تأمل الديبلوماسية الكندية في أن تساهم بوضع حد للنزاع المسلح. وكشف وزير الخارجية الكندي لويد اكسورزي عن المبادرة في لقاء مع الصحافيين في اوتاوا أمس وبعد أيام قليلة من هجوم شنته وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت في تصريحات لها في العاصمة الكينية نيروبي على الحكومة السودانية. وأعلن الوزير ارسال بعثة خاصة للتحقيق في اتهامات عن استخدام عوائد النفط السوداني لتمويل الحرب الأهلية وانتهاك حقوق الإنسان بما فيها ممارسة تجارة الرقيق. وينتظر ان يقود البعثة خبير في الشؤون الافريقية يعمل مستشاراً لدى كل من الحكومة الكندية وحكومة جنوب افريقيا ويدعى جون هاكر. وحرص اكسورزي على عدم الربط بين مهمة البعثة والمبادرة الديبلوماسية، لكنه هدد بفرض عقوبات على الشركات الكندية العاملة في السودان في حال ثبتت للحكومة الكندية صحة الاتهامات المشار إليها. وقال: "نحن في الحكومة الكندية نتعامل بجدية مع هذه الاتهامات واعتقد انه من الضروري ارسال البعثة إلى السودان للتعرف على الحقائق عن كثب لأن لدينا شركات كندية تعمل هناك ولا بد من التأكد من أنها تمارس نشاطاتها حسب الأصول". وأوضح اكسورزي ان مهمة البعثة ستشمل التحقيق في نشاطات "تاليسمان انيرجي" وطبيعة مشاركتها في مشروع النفط، وقال: "نأمل في أن تتمكن البعثة من معرفة مصير رسوم حقوق الامتياز التي تدفعها الشركة الكندية للحكومة السودانية. وفي حال تأكدت لنا مساهمة عمليات التنقيب عن النفط في تغذية النزاع، فسننظر في امكانية فرض قيود اقتصادية وتجارية". عقوبات ولفت الوزير إلى امكان فرض عقوبات على الشركات الكندية والسودان على حد سواء، لكن فقط في ضوء النتائج التي ستتوصل إليها البعثة. وكانت الحكومة الكندية فرضت في سنة 1992 قيوداً محدودة على النشاط التجاري والاستثماري مع السودان، ونصحت الشركات الكندية بالامتناع عن الاستثمار في هذا البلد من دون أن تصل خطواتها إلى حد الحظر المفروض على الشركات الأميركية. إلا أن رئيس شركة "تاليسمان انيرجي" جيم باكي أكد ل"الحياة" ان الاتهامات التي تتعرض لها شركته عارية من الصحة تماماً، مشيراً إلى ان عوائد النفط تستخدم لتمويل متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان، وأضاف: "في لقاءاتنا المتكررة مع المسؤولين الكنديين أكدنا هذه الحقيقة مراراً، وأعربنا عن قناعتنا ان التنمية الاقتصادية تتيح أفضل الفرص لإشاعة الاستقرار وحل النزاعات". وأعرب باكي عن ترحيبه الشديد بالمبادرة الكندية، وقال: "نتطلع منذ وقت طويل إلى مبادرات ايجابية من هذا النوع، إذ نعتقد جازمين ان هناك الكثير من المعلومات المغلوطة عن السودان". ويشار إلى أن "تاليسمان انيرجي" تملكت حصتها في المشروع السوداني ضمن صفقة عقدتها في العام الفائت مع شركة "اراكيس انيرجي" الكندية التي كانت حصلت بدورها على امتياز تطوير مجموعة من آبار النفط في سنة 1993، ثم عقدت تحالفاً مع شركة النفط الصينية وشركة نفط ماليزية في سنة 1997 لتوسيع عمليات التطوير ومد خط أنابيب تمهيداً لعمليات تصدير النفط الخام التي بدأت في الشهر الماضي.