أعادت هزيمة المنتخب التونسي أمام فريق انتر ميلان الايطالي ودياً 1-3 مع أداء هزيل، الجدل الى أوساط الجماهير الرياضية حول الامكانات الحقيقية لهذا المنتخب وحظوظه في نهائيات كأس أمم افريقيا قبل شهرين من انطلاقها في نيجيريا وغانا معاً، خصوصاً أن تونس جاءت ضمن مجموعة "النار" التي تجمعها بأنغولا والمغرب ونيجيريا. ويبدو ان هذه الهزيمة مثلت رسالة قوية للتوانسة حول حال منتخبهم، ما جعلهم يطرحون الأسئلة الصعبة، بدءاً بأداء المحترفين إلى الاختيارات التكتيكية للمدرب الايطالي سكوليو وخط دفاعه الذي بدا شاحباً أمام "الفريق الثالث" لانتر ميلان الممثل بلاعبين تجاوزا سن ال35 عاماً مثل روبرتو باجيو. وفي الحقيقة ان اختيار فريق انتر ميلان لاجراء مباراة تحضيرية لم تثر فقط تحفظ التوانسة الذين اعتبروها رحلة تسويقية اشهارية لابن البلد سكوليو، بل أثارت ايضاً سخرية الصحافة الايطالية التي قالت إن "انتر ميلان يعود للانتصار في مباراة الصحراء"، للدلالة عن الجمهور ووصفت منتخب سكوليو ب"الساذج وغير الناجع"! ويمكن فهم هذا الشعور العام بالاستياء التي خلفتها هزيمة في مباراة ودية أمام انتر ميلان بعشق التوانسة للكالتشيو الايطالي، في تفاصيله الصغيرة وأحلام اللاعبين بالاحتراف في الدوري الايطالي، ولو في نادي درجة عاشرة. لذلك لا يستغرب أحد وهو يتجول في تونس العاصمة والمدن الكبرى اذا ما رأى أطفال تونس وهم يحلقون شعرهم على شاكلة روبرتو باجيو. ولكن الأعمق من ذلك، ان التوانسة اصيبوا بإحباط مر تجاه منتخبهم الوطني، فمنذ لحظات الفرح التي عاشوها قبل 21 عاماً في كأس العالم في الأرجنتين، لم يعرف التوانسة سوى الهزائم والخيبات في الكؤوس الافريقية ونهائيات كأس العالم، باستثناء نهائي كأس افريقيا 1996، ما جعل الحلم بالظفر بالكأس الافريقية صعب المنال في عقد التسعينات التي توجت الأندية التونسية بأغلب الألقاب القارية. وقد عصفت كأس العالم الأخيرة بالمدرب البولوني - الفرنسي كاسبرجاك، وحملت رياح التغيير "الاستاذ" الايطالي سكوليو الذي نجح في حمل المنتخب الى نهائيات كأس أمم افريقيا على حساب منتخب الجزائر الذي لم يستعد عافيته بعد، ومنتخب ليبيريا بلد جورج ويا والألف حرب أهلية. لكن بعد عامين من العمل وسط مناخ جيد ورواتب وحوافز مالية مغرية، يتساءل التوانسة إلى أين يتجه سكوليو؟ وهل اقتصرت مهمته في دعوته الملحة للأندية الايطالية بضم الحارس الواعر والمدافعين خالد بدرة وراضي الجعايدي؟ ويبدو ان كرة القدم التونسية تنجب حارساً عملاقاً كل عقد، وبعد حارس الافريقية عتوقة في السبعينات، وحارس مونديال الارجنتين المختار النايلي، جاء شكري الواعر ليكون عملاق الشباك في الترجي والمنتخب لعقود التسعينات. ولولا الواعر لعرفت تونس هزائم ثقيلة في كأس العالم في فرنسا والنهائيات الافريقية وساعد خط الدفاع الصلب للمنتخب في مسيرته والنهائيات. ويتميز هذا الدفاع، المكون أساساً من سامي الطرابلسي من الصفاقسي وخالد بدرة وراضي الجعايدي من الترجي التونسي، بالخبرة وطول القامة والاستعداد البدني. ولذلك حاول المدرب السابق للمنتخب والايطالي الحالي استغلال نقطة القوة الدفاعية ليعتمد في خططه الفنية في أغلب الأحيان طريقة 3-4-3، بل تجاوز ذلك ليكون المنطق الدفاعي وتحصينه الأولوية في التوجه العام للمنتخب. كما يتمتع المنتخب بوفرة لاعبي الوسط وصانعي الألعاب من لاعب الصفاقسي المدلل اسكندر السويح الذي يتميز بتركيزه أداء المنتخب من خلال طابعه الخاص، في حين يعتمد أفضل صانع ألعاب حالياً في تونس ماهر الكنزاري من الترجي تغذية المجموعة بأدائه الفردي، ويعتبر زبيربية لاعب فرايبورغ الالماني حالياً والنجم الساحلي سابقاً من اللاعبين القلائل في تونس الذين يتمتعون برؤية شاملة للملعب مع ارتباطها بخطة المنتخب على الميدان. لذلك أضحت وفرة صانعي الألعاب من أهم الاشكاليات التي تعترض المدرب الايطالي، وهي في الحقيقة لا تعبر عن مشكلة حقيقية، بل مفتعلة بناء على رغبة احباء الأندية رؤية لاعبهم المفضل يحمل زي المنتخب. وخاض منتخب تونس ثلاث مباريات ودية استعداداً للموعد الافريقي مع المنتخب الإماراتي والزامبي وانتر ميلان قبل فيها 5 أهداف ولم يسجل سوى هدفين. ويبدو ان معضلة الضعف، بل غياب مهاجمين في تونس، معضلة شبه شاملة ومزمنة. فأغلب الأندية التي تعيش صعوبات كالصفاقسي أو الملعب التونسي، تبحث عن العصفور النادر، كما أن أغلب الانتدابات الخارجية في مراكز تكوين الناشئين والأندية تركز على العناصر الهجومية القادرة على تسجيل الأهداف. ونظراً لنهاية "العمر الافتراضي" للاعبين مثل فوزي الرويسي وجمال الإمام ولصعوبة العلاقة بين مدرب المنتخب ولاعبي فرايبورغ بن سليمان وعادل السليمي اللذين لم يعودا إلى المنتخب سوى أخيراً، لم يبق أمام الاستاذ الايطالي سوى المغامرة بجيل الشباب الجديد مثل هداف الدوري على الزيتوني ومهاجمي النجم الساحلي عماد المهندي وزياد الجريزي وكل منهم لم يتجاوز ال20 ربيعاً. ويبدو ان هذه المغامرة لن تكون فاشلة، فتونس بلغت نهائي كأس افريقيا بشبان الأمس وجيل اليوم، القابسي والغضيان والشيحي... وبمدرب محلي فاهم وإن لم يكن "استاذاً"!