إشتدت وطأة الخلاف بين رئاسة الجمهورية السودانية والبرلمان بعد رفض البرلمان أمس إقتراحا من لجنة تابعة للرئاسة دعا الى تأجيل مناقشة تعديلات في الدستور تسمح بإستحداث منصب رئيس وزراء وإنتخاب الولاة إنتخابا مباشرا بدلا من تعيينهم بواسطة رئيس الجمهورية. وتم أمس إيداع مشروع التعديلات التي تحد بشكل كبير من صلاحيات رئيس الجمهورية لدى رئاسة البرلمان إيذانا ببدء إجراءات مناقشتها على رغم طلب التأجيل الرئاسي. في غضون ذلك إنتقد رئيس جنوب إفريقيا ثامبو مبيكي تغيب الرئيس عمر البشير عن إجتماع كان مقررا أن يضمه مع الرئيس الاوغندي يويري موسيفيني لمناقشة معالجة خلافات البلدين الجارين المستعرة منذ قطع كمبالا علاقاتها مع الخرطوم في العام 1995. ونقلت وكالة أنباء جنوب إفريقيا عن مبيكي قوله أمس "أعتقد أنه حتى إذا كان الرئيس السوداني مصابا ببرد فإنه يجب عليه أن يكون هنا للمشاركة في المحادثات" المقررة اليوم الثلاثاء. وأضاف "الجميع هنا وأعتقد أن هذه المحادثات يجب أن تعقد". وكان مسؤول في جنوب إفريقيا أعلن في وقت سابق أن البشير إعتذر عن الحضور بسبب المرض وأن اللقاء مع مبيكي وموسيفيني أرجئ لوقت لاحق لم يحدده. وكان مقررا أن يبدأ البشير أمس جولة على جنوب إفريقيا وكينيا وأثيوبيا، لكن وزير الخارجية السوداني مصطفى عثمان إسماعيل أعلن تأجيل الجولة من دون أن يحدد أسبابا. وكان موسيفيني زار ليبيا قبل توجهه الى جنوب افريقيا لحضور قمة الكمنولث التي كان مقررا أن يتم بعدها اللقاء السوداني - الاوغندي برعاية جنوب إفريقيا ودعم من طرابلس. ولم تستبعد مصادر سودانية مطلعة سألتها "الحياة" أن تكون لتأجيل الزيارة علاقة بأزمة تعديل الدستور. وأفيد في الخرطوم أن البشير ورئيس البرلمان الدكتور حسن الترابي عقدا إجتماعا إستمر ساعات عدة من أجل التوصل الى إتفاق في شأن التعديلات. وبدا أن الاجتماع لم يتوصل الى إتفاق من خلال ما إتضح من جلسة البرلمان أمس التي شهدت إيداع الاقتراحات رسميا. ودافع الترابي عن التعديلات في الجلسة قائلا إن مسألة إختيار رئيس وزراء وإنتخاب الولاة بات أمرا ضروريا في ظل الانفتاح بإتجاه المصالحة والوفاق الوطني. يذكر أن الدستور لا يشير الى منصب رئيس وزراء ويترك لرئيس الجمهورية قيادة العمل الحكومي. لكن مؤيدي إقتراح إستحداث منصب رئيس وزراء يرون أنه يعطي البرلمان فرصة محاسبة الحكومة وصلاحية سحب الثقة منها إضافة الى ما يتيحه في حال التوصل الى إتفاق مع معارضين. ويؤكدون أن الوضع الحالي لا يتيح ذلك لأن الرئيس يملك تفويضا شعبيا مماثلا للبرلمان ولذلك تصعب محاسبته. ورأى الترابي أن مسألة إنتخاب الولاة الذين يتم إختيارهم حاليا من خلال تحديد الرئيس ثلاثة أشخاص يختار برلمان الاقليم الوالي من بينهم ، لم تعد مواكبة لقوانين التوالي السياسي التي تسمح بوجود أحزاب أخرى ترغب في التنافس الحر على منصب الوالي المهم في ولايات البلاد ال 26. وتحدث أعضاء في البرلمان بينهم الدكتور عصام البشير ووزير التعليم حامد تورين داعين الى قبول طلب لجنة الرئاسة تأجيل النظر في التعديلات. وستحد التعديلات من صلاحيات البشير الذي خسر مؤيدوه مواقع مهمة في "المؤتمر الوطني" الحاكم في مواجهة وقعت خلال المؤتمر التأسيسي للحزب الحاكم الشهر الماضي. وكرس المؤتمر عمليا سلطة الترابي بتفويضه صلاحيات واسعة في الحزب الحاكم. ورأي مراقبون أن المعركة إنتقلت الآن الى ساحة البرلمان خصوصا بعد الاعلان عن تشكيل لجنة للمصالحة من داخل الحكومة في إستبعاد للحزب الحاكم. وتحدثت المصادر عن إحتمال لجوء البشير الى خطوات مفاجئة وجذرية مثل حل البرلمان أو تعليق الدستور.