قلت امس ان السيدة سهى عرفات تتصرف وكأنها "مدفع فلتان"، فهي تطلق قذائفها من دون ان تقدر أية أهداف ستصيب. وزدت انها تعبّر عن شعور الفلسطينيين كلهم، ولكن عليها ان تتذكر انها السيدة سهى عرفات، ولم تعد الآنسة سهى الطويل. باختصار، انتقدت اختنا سهى لأنها أفادت رودلف جولياني منافس هيلاري كلينتون على مقعد في مجلس الشيوخ عن نيويورك، وأضرت بكلامها الأميركية الاولى. ووجدت بعد ذلك ان الاميركيين والاسرائيليين يشنون حملة ظالمة على السيدة سهى عرفات من دون ان تجد هذه من يدافع عنها. انا أفعل لأنني أعرفها منذ كانت بنتاً صغيرة، وأعرف، أمها واختين لها وأخيها، واستطيع ان أقول بصدق ومسؤولية انها اقرب الى نبض الشارع الفلسطيني من أي مسؤول في السلطة الوطنية. وعندما تحدثت بحضور السيدة هيلاري كلينتون في مركز صحي في رام الله، لم تقل شيئاً يختلف عما نعرف من آرائها ومواقفها التي كانت دائماً أقرب الى المعارضة الفلسطينية، منها الى السلطة. مع ذلك قرأت ان خطابها كان معداً، وقد يكون هذا صحيحاً، وقد يكون محاولة لرفع الحرج عنها. الا انه يبقى في الحالين ان خطابها لم يبتعد عن سياستها المعروفة، وهي سياسة أجد تأييدها أسهل علي من تأييد مواقف السلطة الوطنية في المفاوضات الجارية. من رد على السيدة سهى عرفات؟ رئيس الوزراء ايهود باراك ووزير الخارجية ديفيد ليفي هاجما "خطابها السام" وقالا انه يضر كثيراً بجهود السلام في المنطقة. ما يضر بجهود السلام ليس خطاباً من الفلسطينية الأولى، وانما المواقف الليكودية السامة، المغلفة بالسكر، التي يحاول رئيس وزراء اسرائيل الجديد ووزير خارجيته ان يجعلونا نبلعها. والسم ليس في كلام عن مواد كيماوية او غازات تلوث الماء الذي يشربه الفلسطينيون، فهو يبقى كلاماً، وانما في مواقف محددة مثل توسيع المستوطنات بشكل يفوق جهد الحكومة الاسرائيلية السابقة، ثم الاصرار على خطوط حمر، كل منها يعني استحالة الوصول الى حل سلمي نهائي. مع ذلك، زعم ليفي خلال استقباله جيب بوش، حاكم فلوريدا وشقيق جورج بوش الابن، حاكم تكساس المرشح للرئاسة الاميركية عن الجمهوريين، ان "سهى عرفات رددت تصريحات مهينة جداً صدمت كل رجل وامرأة في اسرائيل". نرجو ان تكون السيدة عرفات صدمتهم بما يكفي للاستفاقة على عمل حكومة انتخبت للسير في العملية السلمية، وهي الآن تمارس السياسة الليكودية السابقة بطريقة "مختلسة" او "ستيلث"، لا بد ان تكون تعلمتها من الاميركيين. ولم يكن هجوم باراك وليفي موقفاً يتيماً، فصحيفة "يديعوت أحرونوت" نشرت تحقيقاً بعنوان "فضائح سهى" قالت فيه ان "فضيحة" خطابها أمام هيلاري كلينتون لم تكن الأولى، ثم أدرجت من "فضائحها" انها تحدثت ضد فساد مسؤولين كبار في السلطة الوطنية. هل مهاجمة الفساد فضيحة؟ كلنا يعرف ان في السلطة فساداً كان موضوع تحقيقات رسمية، وكلنا قرأ ما نشرت الصحف الاسرائيلية نفسها عن تفاصيل هذا الفساد، لذلك فما فعلت السيدة سهى عرفات هي انها كانت صادقة مع نفسها ومع الشعب الفلسطيني، ولم تنكر وجود الفساد لمجرد انها زوجة الرئيس، بل تحدثت عنه حتى أثارت عليها غضب مقربين من الرئيس عرفات، استغلوا مناصبهم لإثراء غير مشروع. بل ان الصحيفة الاسرائيلية انتقدت عدم زيارة السيدة عرفات اسرائيل، وقولها في مقابلة مع الزميلة "الوسط" انها ترحب بضيوف ابو عمار من الاسرائيليين في بيتها بشكل مقتضب، ثم تنسحب لأنها لا تحب مجالستهم. بكلام آخر "فضائح" السيدة سهى عرفات انها قالت كلمة صدق في حضرة الأميركية الأولى، وتحدثت عن الفساد في السلطة الوطنية، واعترفت بأنها لا تحب الاسرائيليين. مثل هذه الفضائح اوسمة تُعلّق على صدر السيدة سهى عرفات، فهي مواطنة فلسطينية مثالية، والمقصود بالكلمة الأخيرة انها تمثل الفلسطينيين بعفويتها أكثر مما يمثل أركان السلطة بالاعتذار تحت الضغط الأميركي والاسرائيلي، وبدبلوماسية تكذب وتكذب حتى تصدق نفسها، وتصدق أنها في طريق حل عادل فيما الدلائل كافة تشير الى خدعة اسرائيلية كبرى، بمساعدة الولاياتالمتحدة. اذا كان من فضائح حقيقية فهي عند بنيامين وسارة نتانياهو، غير ان المكان ضاق بنا، فربما عدت اليها غداً.