فساد السلطة الفلسطينية الذي كشفه الضابط السابق في الاستخبارات الفلسطينية فهمي شبانة، فضح الواقع الأخلاقي والسياسي للسلطة، ودمر صورة حكومة الرئيس محمود عباس أمام المواطن الفلسطيني الذي كان يعتقد بأنه يأتمنها على استعادة أرضه وحقوقه المشروعة، فإذا به يُصدم بأنها غير أمينة حتى على مواد التموين. ملف الفساد الفلسطيني شهد خلال الأيام القليلة الماضية جهوداً للتبرير والتفسير، في محاولة لتخفيف الوقع المفزع للفضيحة على المواطن الفلسطيني. فتحدث بعضهم عن صراعات سياسية داخل أروقة السلطة، ترجِمت بأساليب انتقامية، وزج بعضهم قضية الفساد بمفاوضات السلام، وفسر ما حصل بأنه محاولة اسرائيلية للضغط على حكومة «أبو مازن» وتشويه سمعتها، للسير في المفاوضات بعيداً من قضية الاستيطان. وطرِحت تفسيرات أخرى، ولكن كلها لم تكن مقنعة، وهي تحولت الى اسباب جديدة لاذكاء حال الغضب لدى الفلسطينيين المفجوعين بإدارتهم. لا شك في ان الفساد ليس جديداً على السلطة الفلسطينية، وهو صفة لازمت مسؤوليها منذ اليوم الاول لوصولهم الى رام الله. وبعد مرور سنة، أو اكثر قليلاً، من عمر السلطة نشر بعض الصحف الاميركية تحقيقاً مثيراً ومخجلاً في آن، اشار فيه الى حرب بين المسؤولين الفلسطينيين لاحتكار الخدمات، والصراع المرير على توكيلات الدقيق والأغذية، ومطاعم الوجبات السريعة، فضلاً عن التهريب الذي يكلّف خزينة السلطة مبالغ كبيرة. الأكيد ان للفساد الفلسطيني تسهيلات اسرائيلية، وينال اسرائيل الكثير منه. فهو جهد مزدوج المصالح والأضرار، لكن المؤسف هو محاولة تصوير القضية باعتبارها مؤامرة اسرائيلية على المناضلين الفلسطنيين، وكأن القيادات الفلسطينية لا حول لها ولا قوة، وهذا كلام يستخف بعقول الناس. فالفساد الذي تضج به أروقة السلطة ليس أمراً بسيطاً أو محدوداً، وهو اصبح أحد الأعباء التي يعانيها المواطن، ناهيك عن أن الفضيحة الاخيرة ليست الاولى، وسبقها حديث عن لجان وتحقيقات وشفافية، ولكن لم يحدث أي فعل، وظل الفساد ينهك المواطن، ويضعف موقف السلطة أمام المانحين. والمؤسف ان فضيحة الفساد ستزيد انحسار تعاطف المواطن العربي مع القضايا الفلسطينية، وقلة اهتمامه بها، فضلاً عن أن الفضيحة ستمنع تدفق الأموال والتبرعات. فأنياب الفساد سدت الطريق.