كان الهرُّ الصغيرُ يشعرُ بضجرٍ شديد وهو جالسٌ تحت الشجرة في حديقة البيت. لقد فعلَ منذُ الصباح كل ما يمكن أن يفعله. وهو الآن لا يجدُ ما يلهو به. كانَ قد ذهبَ الى مطبخِ البيتِ، فقُدِّمَتْ له حاجتُه من الطعام فأكلَ حتى شبع. وشاهد فراشة بيضاء طائرة، فطاردَها حتى تعِب. كذلك منعَ عصافير الدُّوري من الوقوع على الأرض لالتقاط الحَبّ .. وهاجمَ بعض الأولاد الذاهبين الى المدرسة، وقبل أن يَنْشبَ عراكٌ بينه وبينهم فرَّ هارباً! كانَ الهرُّ الصغير قد استرسل في المواء، أكثر من مرّة، كي يطردَ الضَّجر الذي يحسُّ به، وقفزَ كثيراً فوقَ أسْيجة الحدائق، وهرْوَلَ كثيراً في الشوارع والطرقات. ثم جلسَ في النهاية يستريح .. وقد استراح كثيراً .. وبقيَ عليه أن يفعل شيئاً ما .. فماذا يفعل؟ فكَّر القط الصغير أن يلعبَ لعبةً ما .. لكنه كان قد ضجرَ أيضاً من اللّعب! ونظرَ الهرُّ قربَهُ فشاهدَ حوضاً للزّهور مَبْنياً من حجارةٍ صغيرة فقال: - سأهدمُ هذا الحائط. شعرَ الهرُّ بفرحٍ شديد لكونه سيهدمُ الحائط .. فهذا شيءٌ جديد لم يكُنْ قد فعلَهُ من قبل. نهض الهرُّ من مكانه، وهرْوَلَ راكضاً نحو الحائط، وراحَتْ يداهُ تعملانِ في هَدْمِ الحجارة بمهارة. إنهار الحائطُ بسرعة .. لكنّ حجراً كبيراً سقطَ على ذنبِ الهرّ فجعله يصيحُ من شدّة الألم. "آه .. ذَنَبي .. آه ذَنَبي". راح الهرُّ يصيحُ بأعلى صوتِه، وهو عائدٌ إلى الشجرة حيثُ كان يجلسُ من لحظات. لم يعُدْ الهرُّ الصغير يشعرُ الآن بالضّجر، بل بالألم الشديد في ذَنَبه! وتَمْتَمَ الهرُّ المتألم: - ينبغي في المرّة القادمة، أن أعرف كيف أملأ أوقات فراغي بشيءٍ غير الضّجر. طيور طيورٌ طيورٌ بقُربِ الغديرْ طيورٌ تحطُّ طيورٌ تطيرْ طيورٌ تُنقِّبُ بينَ الزُّهورْ وماءٌ وعشبٌ وظلٌّ ونُورْ وشمسٌ تضيءُ وأرضٌ تدورْ