أصدر وزير الدفاع الجزائري السابق اللواء المتقاعد خالد نزار، هذا الإسبوع، الطبعة العربية لكتابه "مذكرات اللواء خالد نزار" والذي صدر في طبعته الفرنسية نهاية الأسبوع الماضي عن مطبعة الشهاب. يروي الكتاب تفاصيل ضابط سابق في الجيش الفرنسي فر منه في 27 نيسان ابريل 1958، أي بعد اربع سنوات من بدء ثورة التحرير، حيث بدأ نشاطه في صفوف المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني بعد تخرجه من مدرسة سان ميكسان مدرسة تكوين الضباط الفرنسيين. وخلال سرده لمساره العسكري الذي دام أكثر من 40 سنة في الجيش، يتحدث خالد نزار عن شبابه ومساره العسكري والأحداث التي ميزت السنوات العشر الأخيرة من خدمته والتي إحتل فيها مناصب رفيعة في المؤسسة العسكرية. يبدأ نزار في عرضه لمذكراته من قصة فراره من الجيش الفرنسي، مشيراً الى ان ذلك تم بالإتفاق مع الضابط عبدالمالك قنايزية سفير الجزائر في سويسرا والذي سبق له ان شغل منصب قائد الأركان في عهد الشاذلي بن جديد. غير أن فراره من الجيش الفرنسي لم يُذهب عنه شبهة التواطؤ مع الفرنسيين. إذ تعامل معه مجاهدو الثورة، مثلما يذكر نزار، بنوع من الحساسية. ومن ذلك، يذكر كيف قابله القائد إيدير الذي كان ضمن مجموعة من مسؤولي الثورة في الصادقية داخل الأراضي التونسية: "وصلتم يقصد نزار وقنايزية متأخرين"، وهي العبارة التي يعتبرها إهانة. ومع إنتهاء نزار من سرد الوقائع بدقة متناهية حول مشاركته في الثورة بهدف تجاوز شبهة "ضباط فرنسا" التي تطلق على بعض ضباط المؤسسة العسكرية، يتجه نزار إلى شرح خلفيات تشكل قوة "جيش الحدود" أو ما يُعرف ب "جماعة وجدة" التي إستولت على الحكم في 19 حزيران يونيو 1965 تحت قيادة العقيد هواري بومدين. ويسترسل نزار في تقديم شهادات عن بعض المحاولات الإنقلابية التي إستهدفت الرئيس الراحل. إلغاء الإنتخابات يتحدث نزار عن الأحداث التي رافقت الغاء نتائج الانتخابات التي فازت في دورتها الأولى الجبهة الإسلامية للإنقاذ في كانون الأول ديسمبر 1991. فيلفت الى ان الرئيس بن جديد صرّح في ندوة صحافية يوم الثلثاء 24 كانون الأول ديسمبر 1991 بأنه مستعد للتعايش مع جبهة الإنقاذ. ويضيف ان نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت بعد ذلك بيومين 26 كانون الأول أثارت إرتباكاً لدى الرأي العام وقلقاً مغاربياً وأوروبياً خصوصاً فرنسا. ويتابع ان فوز "الإنقاذ" تبعته بسرعة ظاهرة تغيير المظهر من خلال تكاثر القمصان والحجاب وإطلاق اللحى. كذلك يشير الى تجدد تهديدات أنصار "الفيس"، وهو الإسم المختصر لجبهة الإنقاذ بالفرنسية. ويتابع انه رداً على هذه التهديدات، اُنشئت اللجنة الوطنية لإنقاذ الجزائر التي رأسها الرحل عبدالحق بن حمودة - أمين نقابة العمال الذي قُتل في بداية 1997 - ثم كانت المسيرات التي دعت إليها أولاً جبهة القوى الإشتراكية والتي يقول ان السلطات شجعتها من خلال توجيه نداء للمجتمع المدني والمجاهدين والأحزاب الديموقراطية لا سيما حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية والمنظمات الجماهيرية، للمشاركة فيها. ويضيف انه اعتباراً من 30 كانون الأول 1991، بات واضحاً للجيش ان "الإنقاذ" تتجه الى تحقيق غالبية مطلقة في البرلمان، وان ذلك أمر لا يمكن السماح به. ويقول ان قرار منع فوز "الفيس" اتُخذ في الثالث من كانون الثاني يناير 1992، لافتاً الى ان "الفيس" نال 188 مقعداً في البرلمان على رغم ان لم ينل سوى 26 في المئة من أصوات الناخبين. ويتحدث عن قرار منع "الإنقاذ" من الفوز باعتباره "إجراءات قصوى" تهدف الى الحفاظ على الديموقراطية، لكنه يقول انه أمكن تفادي اللجوء الى هذا القرار بعد قرار الرئيس الشاذلي الإستقالة في 11 كانون الثاني. ويذكر، في هذا الإطار، ان الشاذلي تلقى اتصالين هاتفيين من الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران، عشية إعلانه الإستقالة، وانه أكد له انه "على الجيش ان ينقذ الوضع". ويقول نزار ان رئيس الحكومة سيد أحمد غزالي ووزير الداخلية العربي بلخير ووزير الإعلام أبو بكر بلقايد إغتيل لاحقاً كانوا من الذين أيّدوا تنحي الشاذلي. كذلك يلفت الى ان أعضاء المجلس الدستوري ساهموا مساهمة كبيرة في تلافي حصول فراغ دستوري للسلطة بعد رحيل رئيس الجمهورية، إذ لجأوا الى وضع مقاليد البلاد في يد مجلس الأمن، ومن ثم في يد المجلس الأعلى للدولة. ويتحدث عن اجتماع عقده مع زعيم جبهة القوى الإشتراكية حسين آيت أحمد، بين الدورة الأولى من الإنتخابات واستقالة الشاذلي. فيقول انه عرض الوضع على آيت أحمد وخطورة تولي "الفيس" السلطة، لكن زعيم جبهة القوى تحفظ عن الغاء الانتخابات، مؤكداً ان رئيس الجمهورية يملك صلاحية حل البرلمان - الذي تسيطر عليه "الإنقاذ" - إذا تجاوز حدوده. ويضيف انه رد على آيت أحمد بالقول إن الرئاسة منعدمة في المعنى الواقعي للكلمة، وان "الفيس"، ببرنامجه المتخلّف، سيغلق الباب أمام نواب جبهة القوى الإشتراكية 25 نائباً. ويتحدث نزار عن تفاصيل تعيين اللواء المتقاعد اليمين زروال خلفاً له في وزارة الدفاع ثم في رئاسة الجمهورية. ويقول، في هذا الإطار، انه تعرّض لمحاولة اغتيال بسيارة مفخخة في شباط فبراير 1993، وان مخاوف نشأت من حصول فراغ في حال رحيله. ويضيف انه بدأ بتشكيل هيئة أركان جديدة من ضباط متجانسين، وضع على رأسهم الجنرال محمد لعماري. ويضيف انه بعد إعادة تشكيل هيئة الأركان التي يعتبرها العمود الفقري للجيش، بدأ يُقنع كبار الضباط بتعيين اللواء زروال وزيراً للدفاع على أساس انه يستطيع تحقيق "إنسجام" في المؤسسة العسكرية. ويقول انه اتصل بزروال وأبلغه قرار تعيينه وزيراً للدفاع في صيف 1993. "عاصفة الصحراء" ويتحدث نزّار عن حرب تحرير الكويت من القوات العراقية في 1990-1991. فيقول انه تلقى، أثناء نشر قوات الحلفاء قواتهم في منطقة الخليج تحضيراً لعملية "عاصفة الصحراء"، مرتين الأمر من رئيس الجمهورية، بواسطة الجنرال العربي بلخير، بتحضير قوة عسكرية بهدف إرسالها إلى المملكة العربية السعودية و"كان جوابي في المرتين هو نفسه: ليس في مصلحتنا المشاركة في حرب ضد بلد عربي لأنه إخترق حدود بلد سيّد، حتى وإن كنا لا نتفق مع الطروحات العراقية". ويضيف ان الشاذلي فكّر، في المرة الثالثة، في إرسال مراقبين جزائريين الى الخليج عوض إرسال قوة عسكرية. ويشرح انه توجب عليه عندئذ إعداد مذكرة تقويمية من طرف هيئة الأركان على ان يتخذ رئيس الجمهورية بعد ذلك القرار الذي يراه مناسباً. ويقول انه في هذه الوثيقة تم التملص صراحة من إرسال قوة عسكرية أو قوة مراقبين جزائريين الى الخليج. الكتاب من القطع المتوسط من 260 صفحة. السعر 35 فرنكاً فرنسياً