أنهى قرار الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، بعزل مدير المخابرات القوي، الفريق محمد مدين، حقبة من تاريخ البلاد، تسمى بفترة «الجنرالات السبعة الأقوياء»، الذين كانت لهم سلطات واسعة فرضتها ضرورة المرحلة التاريخية التي مرت بها الجزائر، في تسعينيات القرن الماضي. ويكاد يكون الفريق محمد مدين المعروف باسم «الجنرال توفيق» مدير المخابرات الجزائرية الذي انهيت خدماته, المسؤول العسكري الوحيد الذي لا يعرف الجزائريون شكله، لكن الاكيد ان الجميع يعرف بأنه كان اقوى رجل في الدولة قبل ان يزيحه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. ولا توجد اي صورة رسمية للفريق مدين كما لم يسبق ان ادلى بأي تصريح لوسائل الاعلام، وحتى عند حضوره للمراسم الرسمية يحرص التلفزيون على عدم تصويره.وبمجرد تقلده منصب رئيس دائرة الاستعلام والامن، التسمية الرسمية للمخابرات، واجه الفريق مدين المشهور ب «الجنرال توفيق» ازمة امنية كبيرة بعد الغاء الانتخابات البرلمانية في 1992 التي فازت بها الجبهة الاسلامية للانقاذ. وتبع ذلك اندلاع حرب اهلية راح ضحيتها اكثر من 200 الف جزائري، حولت مهام المخابرات بشكل كبير الى مهام مكافحة الارهاب بعد سنوات من العمل كشرطة سياسية تلاحق المعارضين. وفي السنوات الاخيرة اشتهر الجهاز بتحقيقاته في قضايا الفساد في شركة النفط العمومية وصلت الى ملاحقة وزير النفط شكيل خليل احد اقرب المقربين من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. ووصل تغلغل المخابرات الى كل مؤسسات الدولة والاحزاب، بحجة حماية البلاد من الارهاب والفساد. ومحمد مدين هو واحد من ثلاثة ضباط يحملون حاليا رتبة فريق الاعلى في الجيش الجزائري منذ 2006 الى جانب الفريق قايد صالح رئيس اركان الجيش والفريق بن علي بن علي قائد الحرس الجمهوري الجديد. ولد الجنرال توفيق في 1939 بمنطقة قنزات الواقعة بين ولايتي سطيف وبجاية وانتقل مع عائلته وهو طفل الى الجزائر العاصمة حيث ترعرع في حي القصبة العتيق ولعب كرة القدم في شوارعها الضيقة.الواضح ان الجنرال توفيق لم يكمل دراسته مثله مثل اغلب ابناء الشعب الجزائري تحت حكم الاستعمار الفرنسي، فعمل بحارا في البحرية التجارية، قبل ان يلتحق بجيش التحرير من ليبيا التي وصلها عبر باخرة كان يعمل بها. وبحسب الكاتب الصحافي محمد سيفاوي المقيم في فرنسا في كتابه «القصة السرية للجزائر المستقلة.. دولة المخابرات» الصادر في 2012 ان الجنرال مدين التحق بمخابرات قيادة جيش التحرير في 1961 اي سنة قبل استقلال الجزائر وعندها لقب بالاسم الثوري «توفيق» كما جرت العادة لدى الثوار لتفادي تعرف قوات الاحتلال عليهم وعلى عائلاتهم. وبعد استقلال الجزائر في 1962 ارسل الملازم محمد مدين الى موسكو لتلقي اول تدريب على يد المخابرات السوفياتية (كي جي بي) وعند عودته التحق للعمل بجهاز الامن العسكري. وأول منصب له كان ضابط مخابرات في الناحية العسكرية الثانية بوهران تحت قيادة من سيصبح حاكم الجزائر، العقيد الشاذلي بن جديد (رئيس الجمهورية بين 1980 و1992) واللواء العربي بلخير الذي اصبح مدير ديوان الرئيس الشاذلي وكذلك مدير ديوان الرئيس الحالي قبل ان يقيله من منصبه في 2005 وهو برتبة لواء. وبعد مرور لم يدم اكثر من سنة كملحق عسكري في سفارة الجزائر بطرابلس عاد الى الجزائر ليعمل مع اللواء بلخير في مناصب مختلفة اهمها مدير مركزي لامن الجيش في 1988 غداة الانتفاضة الشعبية في تشرين الاول التي ادت الى التعددية السياسية. وابتداء من 1990 سيطر الجنرال توفيق تماما على جهاز المخابرات عندما تسلم مهامه خلفا للجنرال محمد بتشين المستقيل من منصبه. وكان آنذاك برتبة عقيد، بحسب ما ذكر في كتابه «مافيا الجنرالات» الضابط السابق في الجيش والصحفي هشام عبود الذي عمل مدير ديوان لدى المسؤول الاول عن المخابرات. لكن قوة العقيد السابق الذي تدرج في الرتب الى ان بلغ قمة الرتب، تضاعفت عندما جمع كل اجهزة المخابرات تحت غطاء واحد هو «دائرة الاستعلام والامن» تحت وصاية وزير الدفاع.ولعل ما جعل الرئيس بوتفليقة يحتفظ بحقيبة وزارة الدفاع لنفسه هو ادراكه ان هذه الوسيلة الوحيدة كي لا يفقد السيطرة على الجهاز الذي ساهم بشكل مباشر في وصوله الى السلطة.وذكر وزير الدفاع السابق خالد نزار الرجل القوي في المؤسسة العسكرية في مذكراته ان «الرئيس بوتفليقة انتخب في ابريل 1999 بدعم من الجنرالات».وبقي الجنرال توفيق في منصبه 25 سنة كاملة رغم تعاقب ستة رؤساء على الحكم واثني عشر رئيس حكومة، ما جعل المحللين يفسرون ذلك بانه هو من يصنع الحكام فكيف يقيلونه، الا ان بوتفليقة ظل ما يكفي في الحكم (16 سنة) ليدفعه الى الخروج.في تموز الماضي قلد الرئيس بوتفليقة الفريق محمد مدين وسام الشجاعة ورقى اللواء احمد بوسطيلة الى رتبة فريق وبعد شهرين احالهما الى التقاعد.واختلفت قراءات الصحف الجزائرية بشأن أبعاد وأسباب ونتائج إقالة رئيس البلاد عبدالعزيز بوتفليقة، مدير المخابرات محمد مدين، المعروف باسم «الجنرال توفيق»، إلا أنها اتفقت على أهمية القرار الذي أبعد أحد أبرز جنرالات الجزائر، كما ورد في موقع سكاي نيوز بالعربية. وتحت عنوان «إقالة الفريق توفيق قد تؤدي إلى تغيير جذري في البلاد»، نقلت صحيفة «الشروق» آراء سياسيين وخبراء في محاولة لتسليط الضوء أكثر على عزل المسؤول العسكري الذي كان يعد لوقت طويل اقوى رجل في السلطة.وزير التجارة الأسبق، نورالدين بوكروح، قال للصحيفة إن إقالة توفيق والتطورات الأخيرة «تعكس الاستعدادات لتهيئة مرحلة ما بعد بوتفليقة»، ورجح «ألا يكون مصدرها جهة واحدة بل هي نتاج تفاهمات بين أقطاب السلطة القديمة حول المرحلة المقبلة».أما رئيس حركة مجتمع السلم، عبدالرزاق مقري، فقد اعتبر القرار «يعكس أزمة النظام السياسي» و «يندرج في إطار صراع أجنحة، يعكس أزمة النظام السياسي». محذرا من «أن النظام لن تنفعه التحويرات الشكلية، بل المطلوب هو تغيير منظومة الحكم..».وأعرب النائب عن جبهة العدالة والتنمية، لخضر بن خلاف، عن أمله في أن «يؤدي القرار إلى دولة مدنية» رغم «أن الأمور ستظل غامضة في غياب المعطيات الشفافة»، فإعلان إقالة الجنرال جاء بعد ساعات قليلة على نفي رسمي وجود خلاف بين بوتفليقة وتوفيق. واختارت صحيفة «الخبر» عنوان «الجنرال توفيق.. نهاية الأسطورة» لتكشف أن الجزائر تسودها قراءتان لما يجري داخل المؤسسة الأمنية الأولى تقول إن «الرئيس بوتفليقة يجري تعديلات عادية كانت مقررة منذ سنوات وترمي إلى إعادة هيكلة جهاز المخابرات..». في حين تعتبر القراءة الثانية أن «هذه التغييرات تأتي في سياق صراع بين مؤسستي الرئاسة والمخابرات يبحث فيه كل طرف عن زيادة نفوذه داخل النظام على حساب الآخر»، فبعد فترة من «التوازن غير المستقر بين المؤسستين القويتين تمكن» بوتفليقة من «بسط نفوذه على كامل أجهزة الدولة».وبدت صحيفة «البلاد وطني» أكثر تفاعلا من الناحية الإيجابية، حين اعتبرت أن القرار قد يمهد لمشروع «تمدين الدولة» و «هو الخطاب الجديد الذي طبع الساحة السياسية»، و «كان من أكبر مطالب حزب جبهة التحرير الوطني، على عهد أمينها العام الحالي عمار سعداني..». وبعيدا عن حيثيات القرار وتداعياته، فإن إقالة «الجنرال توفيق» بعد أكثر من 25 عاما على رأس «دائرة الاستعلام والأمن»، التسمية الرسمية للمخابرات، تشير إلى أن بوتفليقة لا يزال قادرا على اتخاذ قرارات حازمة، رغم الجدل الذي رافق إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة.وفي السياق, فإن 7 جنرالات كانوا هم الحكام الفعليين للجزائر، في فترة التسعينيات أثناء الحرب الأهلية في البلاد, هم «الفريق أول محمد العماري، رئيس أركان الجيش، وكان يلقب بالرجل القوي، الذي استقال عام 2004، بعد خلاف مع بوتفليقة» و «خالد نزار، وزير الدفاع الأسبق، وعضو في المجلس الأعلى للدولة (هيئة رئاسية تم استحداثها في الجزائر لخلافة الرئيس الجزائري الأسبق، الشاذلي بن جديد، الذي استقال عام 1992، وترك منصبه شاغراً)، وقد تقاعد نزار من الجيش عام 1994».. و «اللواء شريف فوضيل، قائد ميداني في الجيش، عُرف خلال فترة الأزمة الأمنية في الجزائر، حيث شارك في قيادة عمليات مكافحة الإرهاب». و«اللواء محمد قنايزية، قائد في الجيش، ترقى إلى منصب نائب وزير دفاع، ثم أقاله الرئيس بوتفليقة سنة 2013»، و«اللواء إسماعيل العماري، وقد شغل منصب الرجل الثاني في المخابرات، قبل أن يتوفى عام 2007. و «اللواء العربي بلخير، قائد عسكري تقاعد عام 1987 من الخدمة، إلا أنه كان يُلقب بصانع الرؤساء في الجزائر، بسبب قربه الشديد من الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد».