قضت محكمة بو ستريت في لندن أمس بأن "كل الشروط متوفرة" لتسليم الرئيس الشيلي السابق اوغوستو بينوشيه الى اسبانيا لمحاكمته بتهم تتعلق بالتعذيب وانتهاك حقوق الانسان خلال عهده. وامام فريق الدفاع عن بينوشيه مهلة 15 يوماً لاستئناف الحكم. وتمهلت السلطات الشيلية في التعليق على القرار البريطاني، وسط انقسام واضح بين مؤيدي بينوشيه ومعارضيه. وساد في سانتياغو اجماع على ان "خلفية القرار ليست قانونية او حقوقية بل سياسية في الدرجة الاولى"، الامر الذي اشار اليه بينوشيه نفسه في بيان تلي في المحكمة امس، اكد فيه براءته، مشيراً الى ان اسبانيا لا تملك سلطة لمحاكمته. ووافقه في ذلك وزير الداخلية الارجنتيني. وسهر المهتمون في شيلي، سواء كانوا من انصار بينوشيه او خصومه، حتى الصباح في انتظار القرار، فيما افيد ان مؤيدي الجنرال يعدون لتظاهرات كبيرة اليوم. راجع ص 8 وكانت المحكمة نظرت في 34 تهمة ضد بينوشيه تضمنت التعذيب والتآمر لارتكاب التعذيب في الفترة ما بين كانون الأول ديسمبر 1988 وكانون الأول 1989. وجاء الحكم اثر جلسات استمرت اسبوعين، ويشكل مرحلة متقدمة من عملية قانونية مستمرة منذ 17 تشرين الأول اكتوبر الماضي، عندما اعتقلت السلطات البريطانية بينوشيه في لندن بناء على مذكرة اعتقال اسبانية تتهمه بعدد من جرائم القتل. ويخضع الجنرال للاقامة الجبرية في ضاحية ريفية قريبة من لندن. ومثّلت اسبانيا في المحاكمة "دائرة الادعاء التابعة للتاج البريطاني". واعتبر خافييه زونيغا، مدير برنامج أميركا في منظمة "امنستي" الدولية لحقوق الانسان ان "قرار اليوم يشكّل خطوة اضافية مهمة في قضية أدخلت حقوق الانسان في مرحلة جديدة"، فيما وصفت الرئيسة الايرلندية السابقة والمفوضة الحالية لشؤون اللاجئين في الأممالمتحدة ماري روبنسون القرار بأنه "اشارة أمل الى الذين يكافحون من اجل العدالة ولكل ضحايا انتهاكات حقوق الانسان". الا ان دوائر حقوق الانسان حذّرت من التعقيدات القانونية الكثيرة المتبقية، مشيرة الى ان القرار النهائي سيكون سياسياً. وكان القاضي رونالد بارتل أوضح ان القرار النهائي سيكون لوزير الداخلية البريطاني جاك سترو. ومن المحتمل ان يستغني محامو بينوشيه عن الاستئناف ليطلبوا من وزير الداخلية بدل ذلك، اطلاق موكلهم بسبب حاله الصحية. وعانى بينوشيه البالغ 83 عاماً اخيرا من جلطتين ثانويتين في الدماغ. وأعفاه القاضي بارتل من حضور جلسة الحكم امس بسبب وضعه الصحي. وكانت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر احتجت بشدة في مؤتمر حزب المحافظين الأسبوع الماضي على احتجاز السلطات للجنرال. ودافع عنه ايضاً في المؤتمر وزير المال المحافظ السابق اللورد نورمان لامونت. وقال معلقاً على قرار المحكمة امس: "اخشى انه سيصيب العلاقات الشيلية - البريطانية بضرر كبير، خصوصاً في حال موت الجنرال بينوشيه" اثناء احتجازه في بريطانيا. وأضاف انه لم يستغرب القرار، لأن المحكمة لم تنظر في القرائن والأدلة على التهم بل نظرت اليها كجرائم تستدعي تسليم المتهم وحق اسبانيا في المطالبة به للمحاكمة. وانتقد وزير الداخلية الارجنتيني كارلوس كوراش الحكم الصادر في لندن وهاجم بعنف اسبانيا التي قد يتم تسليم الجنرال اليها. وشدد على ان "محاكمة الجرائم ينبغي ان تتم حيث ارتكبت". وفي بيان قرأه محاموه في المحكمة، قال بينوشيه: "بصفتي الرئيس السابق لجمهورية شيلي وسناتور حالياً، أعلن أني بريء من الجرائم المنسوبة إلي ... إن أسبانيا لم تتقدم بأي دليل يظهر أني مذنب. وليس هذا فحسب بل أعتقد أن أسبانيا لم تقم بالتحقيق بشكل جيد في أي من هذه التهم كما أنها لا تملك السلطة القضائية لمحاكمتي". وأضاف: "إنها أسبانيا تنتهك سيادة شيلي. فالاحداث في شيلي لا علاقة لها بأسبانيا. واتضح منذ وقت بعيد أن لتسليمي دوافع سياسية وان والسعي اليه يعود لأسباب سياسية". وفي اسبانيا اعربت الدوائر القانونية التي تلاحق بينوشيه عن الارتياح الى الحكم وتوقعت انه سيصمد امام محاولات الاستئناف. الا ان مصادر حكومية قالت ان رئيس الوزراء خوسيه ماريا أثنار أوضح في شكل شخصي انه لا يريد ان يرى بينوشيه امام محكمة اسبانية، بسبب الضرر الذي يلحقه ذلك بالعلاقات مع شيلي، وهي من بين اهم الشركاء التجاريين لاسبانيا. لكن الموقف الرسمي كما اعرب عنه خوسيب بيك الناطق باسم رئيس الوزراء يتلخص ب"الحد الأعلى من الاحترام" لقرار القضاء البريطاني والتأكيد على ان القضية قانونية تماماً وليست سياسية.