أشاحت بيديها كثيراً وكأنها تدفع مجهولاً يزرع جسده أمامها، بسرعة رسمت بقلم الفحم، فماً واسعاً وشارباً دقيقاً وجسداً ممتلئاً، عرت ظهرها فبان أثر التعذيب، قالت لم يكن معها نقود ولا غوايش وأنها تسعى على رزقها ورزق أولادها وأنها لا تعرف لماذا حاول قتلها، بينما صرخت بلا عالية عندما سألها المحقق: هل اغتصبك؟ يدفعون على الوجه خمسين جنيهاً، اقبضها من العسكري الممصوص الوجه في الخزينة، يبعثون لي على عنوان الجريدة التي أعمل بها، في كل مرة جريمة مختلفة، وناساً مختلفين يحكون. رجل بدين وصف كيف غافله وضربه على رأسه بقضيب من الحديد، وعندما أفاق وجد فلوس الجمعية والساعة والدبلة وحتى نظارته الطبية قد سرقت، قلت: صفه، حدق فيّ الرجل طويلاً قبل أن يقول: طويل، عريض، ذو عينين سوداوين واسعتين. في كل مرة أجلس في حجرة التحقيق بعيداً عن مكتب المحقق، تماماً بجوار الدولاب المكتظ بالملفات وألاحظ من بعيد إشارات وحركات المختنقين بالعبرات وكأنهم يتحدون ثقل الهم الذي يريد أن يُسقط دموعهم. قالت السيدة ذات اللكنة الريفية أخيراً بعد أن تحجرت عيناها على نظرة الفزع: "منه لله كنت ها بعهم واصب بحقهم السقف". ظلت تحك جيدها مكان "الغوايش" وتنظر إليّ حتى اعطيت البورتريه للضابط وانصرفت. لم أعرف لماذا يحاولون إلصاق تهمة القتل بهم، فدائماً يصر من يأتي للإبلاغ أنهم حاولوا قتله وليس سرقته فقط، وهكذا صرت ارسم لوحات لرجال متقاربي الملامح وربما على عكس نظرية دمامة المجرم، يبدو دائماً من ارسمهم من الرجال وسيمي المنظر، متناسقي الملامح بل إن فيهم جمالاً بارداً ونظرة تحدّ وثقة تملأ عيونهم. البنت ذات الستة عشر عاماً والتي اخذت تبكي بحرقة، وهي تصف واقعة الاعتداء عليها قالت: إن عينيه كانتا تلمعان في الظلام كعيني قط، وان وجهه كان جامداً وخالياً من أي تعبير حتى تعبير النشوة أو الانتصار وأنه كان صلداً كالصخرة وأنها حتى بعد أن قام عنها لم تستطع الصراخ. كانت البنت تنظر إليّ كل فترة بينما تشد أمها يدها حتى لا تنشب اظافرها في رقبتها. عندها جريت الى مخزن اللوحات، وأخرجتهم جميعاً، من رسمتهم ومن لم أرسمهم، ورأيتهم جميعاً ينظرون إليّ. العيون نفسها الجامدة الباردة، الشعر الأسود النافر نفسه، جميعاً سمرة الوجه نفسها، حدة الذقن والأنف، عرض الكتفين والطول الفارع، ينظرون إليّ ويمدون أيديهم لينهشوا جلدي، فأجري الى الطرقة أجري تصطدم عيني بالمرآة فأرى وجهي الأسمر ونظرة عيني الجامدة، ذقني المدببة وشعري النافر، فأجري بينما تلاحقني الملامح أينما هربت. * كاتبة مصرية