يمثل متحف دليسبس الذي يقع في احد القصور التاريخية التابعة لهيئة قناة السويس في اشهر شوارع مدينة الاسماعيلية المترامية على قناة السويس أهمية كبرى، كونه الوحيد الذي يحوي مقتنيات مهندس قناة السويس الفرنسي دليسبس الشخصية ومذكراته الخاصة بحفر القناة. في القصر التاريخي لهيئة قناة السويس في شارع محمد علي، يقع المتحف الذي يحوي عربته الخاصة التي كانت تجرها الخيول، ويستخدمها في تنقلاته للاشراف على عمليات حفر القناة، كما يحوي فراشه ومكتبه الذي كان يجلس امامه ساعات طويلة يخطط لعمليات الحفر ويكتب مذكراته. وفي احدى الغرف الخشبية في المتحف تقف عربته المصنوعة من الحديد والخشب والخزيران وفيها مقعدان متواجهان بالاضافة الى مقعد امامي يجلس عليه قائد العربة او "الكارتة" كما يسميها المصريون. وهناك غرفة نومه وتحوي سريراً حديدياً لا يزيد عرضه على 90 سم، وهو محاط بستائر من كل الجهات والى جواره مكتب دليسبس الخشبي ذو الارجل المخروطة، وعليه مذكراته ومذياع خشبي قديم، وصورة لشخصية نسائية غير معروفة وقد ارتفع على جدران المتحف عدد من الصور لمبانٍ وشخصيات فرنسية مجهولة ايضا. وعلى رغم الاهمية التي يمثلها المتحف الا انه غير مفتوح امام الجمهور، بل إن دخوله يمثل صعوبة بالغة للكثيرين، اذ ترفض هيئة قناة السويس، وهي الجهة المشرفة عليه، فتحه وقد حاول المخرج المصري يوسف شاهين الحصول على اذن بالتصوير في داخله الا ان طلبه رفض. دليسبس الذي ارتبط اسمه بقناة السويس كان في حياته مصدر جدل واسع، فهو الذي أدخل فكرة حفر قناة السويس حيز التنفيذ وهو اسم كرهه المصريون في حياته، لانه استغلهم في عمليات حفر القناة بالسخرة، وسيطر على مصر من خلال شركة قناة السويس التي كانت دولة داخل دولة. وما زال اسم دليسبس يواجه هذه الكراهية على رغم وفاته في العام 1894، فترفض هيئة قناة السويس فتح متحفه امام الزوار كما ترفض بورسعيد اعادة تمثاله الملقى في مخازن ترسانة الهيئة في بورسعيد الى قاعدته التي خلع منها عام 1956 عقب انتهاء العدوان الثلاثي علي مصر وجلاء اخر جندي عن ارضها، وذلك على رغم مطالبة جهات فرنسية عدة بذلك. سيرة المهندس الفرنسي ولد دليسبس في 19 تشرين الثاني نوفمبر عام 1805 في فترة كانت تعيش فرنسا في رخاء واضح. واشتهر دليسبس بحدة الذكاء ولؤم الطباع وعُرف عنه انه كان يكسب قوته من طرق غير شريفة مستغلاً حسن هندامه ومعرفته بآداب الصالونات. وفي العام 1832 عينته فرنسا نائب قنصل لمصر في بلاط محمد علي وكان مغرماً بالخيول العربية، وتدريبها على العدو والسباق. وتعود صلته بمشروع قناة السويس الى فترة بعثة "سان سيمونيان" التي حضرت الى مصر وقت كان نائباً لقنصل فرنسا فقرأ التقرير الذي وضعته البعثة واتصل بكل من عرف ان له صلة بهذا المشروع، وتعرف ايضا الى مهندس فرنسي كان قد استخدمه محمد علي لهذا المشروع وهو لينان دي بلفون وتوثقت العلاقة بينهما وكان يرسل له كل ما يكتبه عن مشروع حفر القناة. ووثق دليسبس علاقته خلال فترة وجوده في مصر بمحمد سعيد ابن محمد علي، وكان غلاماً يناهز الثالثة عشرة من عمره. وكان بديناً مترهل الجسد. وتعهده من أبيه ليدربه على الرياضة، ولكنه أقام له الحفلات والليالي الحمراء في القنصلية الفرنسية. وحينما اعتلى الامير محمد سعيد العرش فور اغتيال عباس الاول في 4 تموز يوليو العام 1854، بادر دليسبس في الاتصال بحمعية الدراسات الخاصة بقناة السويس في باريس، وأطلعها على ما يثبت صلته السابقة بمحمد سعيد، وحصل منها على توكيل ليعمل باسمها في الحصول على امتياز قناة السويس. ونجح في ذلك بعدما أعلن محمد سعيد باشا يوم 30 تشرين الثاني نوفمبر العام 1854 على قناصل الدول الذين جاؤوا لتهنئته بسلامة الوصول من رحلة صيد بالصحراء، فرمان الامتياز لحفر قناة السويس. يقول مقرر لجنة التراث في بورسعيد ضياء الدين حسن القاضي إن هناك آراء تنادي باعادة تمثال دليسبس الى قاعدته على ان تثبت عليه لوحة رخامية تبين مساوئه. واستندوا لتعضيد رأيهم بما حصل في فرنسا بعد قيام الثورة الفرنسية اذ ترك الفرنسيون تمثال لويس السادس عشر الذي أطاحوا برقبته في مكانه ووضعوا الى جواره لوحة تبين مساوئه على اعتبار ان التاريخ للتاريخ. ويضيف ان الفدائيين المصريين نسفوا تمثال دليسبس القابع عند المدخل الشمالي للسويس واسقطوه من على قاعدته لينزل في "صندل" مجهول كان يرسو في قناة السويس. وكانت شركة قناة السويس اقامت هذا التمثال بعد وفاة دليسبس في العام 1893 لتخليد ذكرى فكرة انشاء القناة وازيح الستار عنه في 17 تشرين الثاني نوفمبر 1899 في حضور خديو مصر عباس حلمي الثاني واللورد كرومر قائد القوات البريطانية في مصر. وحاولت فرنسا غير مرة اعادة التمثال الي مكانه في مقابل تطوير منطقة سياحية الا ان هذه الطلبات قوبلت بالرفض تحت ضغط القوى الوطنية في بورسيعد، وعلى رغم ذلك اعتبرت اللجنة الدائمة للاثار القبطية والاسلامية في المجلس الاعلى للاثار المصري قاعدة تمثال دليسبس في عداد الاثار الاسلامية والقبطية نظراً لأهميته الاثرية والتاريخية.