سيطرت أخبار سحابة الدخان السوداء، التي غطت سماء القاهرة لثلاثة أيام متتالية على الصحف الحكومية والحزبية، بعد ارتباك المسؤولين في تفسير أسبابها، وحيرة سكان القاهرة مما يتعرضون له من تلوث، أضطرت وزيرة البيئة الدكتورة نادية مكرم عبيد الى ركوب مروحية لاستطلاع ما تتعرض له المدينة التي يعيش فيها نحو 14 مليون مواطن. ومنذ مساء الجمعة الماضي، اضطر سكان العاصمة ملازمة منازلهم مبكراً بعدما تسبب الدخان الكثيف في إصابة البعض ب"حرقان العين" وضيق التنفس، واستقبال المستشفيات مئات الحالات والبلاغات في هذا الشأن، خصوصاً من أصحاب "أزمات الربو". وأمام ضغوط الرأي العام، وآلاف المكالمات الهاتفية التي تلقتها الأجهزة المعنية، سارع مسؤولون للإدلاء بتصريحات وصفتها الصحف الحكومية بأنها "غير منطقية ومتضاربة" وجاءت بعد صمت طويل على شكاوى المواطنين، واستغربت السيدة عبيد تصريحات هيئة الارصاد بأن "آثار الدخان بسيطة"، وقالت إن "ما حدث يضر بصحة الإنسان ضرراً بالغاً". تصريحات المسؤولين أرجعت السحابة، التي رفعت معدلات التلوث بصورة كبيرة، الى "قيام المزارعين في المحافظات المحيطة بالعاصمة بحرق مخلّفات محصول الرز، وتراكم الأدخنة الناتجة عن عوادم السيارات والمصانع، والذي تواكب مع مرتفع جوي قادم من شمال مصر، أدى الى عدم تشتت الملوثات العالقة في الجو". الظاهرة الغريبة على القاهريين، تسببت بزيادة إحساسهم بعدم صفاء الجو، وانتشار رائحة الحرائق، حتى أن مراكز الأطفاء تلقت عدداً من البلاغات التي ثبت عدم صحتها، اضافة الى انخفاض الرؤية في مطار القاهرة إلى مستوى ألف متر، لكنها لم تؤثر على حركة هبوط الطائرات وإقلاعها. السيدة عبيد بعد جولتها الجوية في مروحية عسكرية عادت الى الأرض لعقد سلسلة اجتماعات مع خبراء بيئة مصريين، ومن الدانمارك لتحليل الظاهرة المسيطرة على سماء العاصمة، والتي تتسبب في الاصابة بأمراض التهاب الشُعب الهوائية، وحساسية جهاز التنفس، والنزلات الربوية. وعللت الوزيرة عودة الأدخنة الى سماء العاصمة مجدداً مساء أول من أمس الى "وجود صناعات ملوثة للبيئة في القاهرة، وحرق بقايا المحاصيل في المحافظات المجاورة للعاصمة، والتي تقدرها بعض المصادر بنحو 20 مليون طن من النفايات سنوياً، تصل قيمتها الى أكثر من 16 بليون جنيه. وجاءت الظاهرة فرصة لإثارة قضية تلوث العاصمة على أوسع نطاق، حتى أن صحيفة "الاهرام" وثيقة الصلة بالدوائر الرسمية، ذكرت في افتتاحيتها أمس "لا بد من العودة بمستوى النظافة في العاصمة الى ما كانت عليه في السبعينات"، وشددت على أن "نظافة القاهرة تعد اليوم واجباً، بعد أن زاد الاستهتار والإهمال في تطبيق القوانين واللوائح المنظمة للبناء". ولم تتردد بقية الصحف في توجيه انتقادات لاذعة للمسؤولين.