هيمنت الاعتقالات التي تعرّض إليها ناشطون أردنيون وُجهّت إليهم تهم الإساءة إلى شخصيات سيادية، على مسيرات واحتجاجات شهدتها مدن أردنية ليل السبت - الأحد تميزت جميعها بارتفاع سقف الشعارات التي باتت تطاول مؤسسات رمزية. بموازاة ذلك، كشفت مصادر حكومية وأخرى في جماعة «الإخوان المسلمين» ل «الحياة» تفاصيل حوارات خفيّة تجرى بين القصر الملكي و «الإخوان» لثنيهم عن مقاطعة الانتخابات. وطالب المتظاهرون بالإفراج عن نحو 20 ناشطاً يتحدرون من عشائر مدينة الطفيلة الجنوبية (179 جنوب عمان) وحيها الكائن وسط العاصمة عمان، كما طالبوا بإقالة حكومة فايز الطراونة التي نالت نصيباً كبيراً من النقد والاتهامات. ففي حي الطفايلة في عمان، نظم المئات من أبناء الحي مسيرة ليلية استمرت حتى فجر أمس، نددوا خلالها ب «هيمنة الخيار الأمني على قرارات الحكومة، مع الاستمرار بسياسة رفع الأسعار»، وفق لافتات حملوها. وفي الطفيلة، خرج المئات في مسيرة ليلية تضامناً مع المعتقلين، وهاجموا بشدة التعيينات الأخيرة لعدد من كبار المسؤولين الذين كانوا من عائلات وأقارب مسؤولين حاليين وسابقين. كما خرجت مسيرات واعتصامات تميزت بارتفاع السقف في مدن: إربد، جرش، معان، الكرك، مأدبا، المزار الجنوبي وعجلون. وتداعت الجبهة الوطنية للإصلاح التي يتصدرها رئيس الوزراء، مدير الاستخبارات السابق أحمد عبيدات (تضم أحزاباً يسارية وقومية وشخصيات عشائرية وإسلامية) إلى اجتماع طارئ في مجمع النقابات المهنية ليل السبت – الأحد لبحث ملف المعتقلين والتطورات المتسارعة في المشهد المحلي. وقال عبيدات أمام مئات الشخصيات السياسية: «كنا نأمل في أن يستفيق المسؤولون من غيبوبتهم، لكنهم يحاولون الالتفاف على المطالب الإصلاحية، ويراهنون على فشل الربيع العربي». كما طالب الأمين العام لحزب «جبهة العمل الإسلامي» حمزة منصور بالإعلان عن حكومة إنقاذ وطني والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، معتبراً أن البلد «يقف على حافة الانهيار». لكن مصدراً مسؤولاً في وزارة الداخلية الأردنية أعلن في وقت متقدم من ليل السبت - الأحد توقيف عدد من المحتجين على خلفية رفعهم «شعارات وإطلاق ألفاظ تتجاوز الأعراف والأخلاق الأردنية، فضلاً عن مخالفتها الواضحة لأحكام القانون». وقال مصدر قضائي أردني لوكالة «فرانس برس» إن «المدعي العام لمحكمة أمن الدولة وجّه اليوم الأحد لستة ناشطين شاركوا في مسيرة الجمعة الماضية في محافظة الطفيلة (179 كيلومتراً جنوباً)، ثلاث تهم هي: التحريض على مناهضة نظام الحكم، والتجمهر غير المشروع، وإثارة النعرات الطائفية»، وقرر «توقيفهم مدة أسبوعين على ذمة التحقيق». في هذه الأثناء، قالت مصادر رسمية أردنية ل «الحياة» إن «قراراً اتُخذ على أعلى المستويات يقضي بتوقيف كل من يتطاول على المقام الملكي، في محاولة لضبط الهتافات المتصاعدة التي تجاوزت جميع السقوف». الروابدة وكانت حدة الاحتجاج في الشارع الأردني تطورت إلى شكل غير مسبوق خلال اليومين الماضيين عقب دعوات وجهها ناشطون حراكيون تضمنت سلسة اعتصامات وتظاهرات أمام بيوت بعض المسؤولين الحاليين والسابقين ممن تطاردهم اتهامات تتعلق بالفساد رغم عدم اقترانها بأدلة موثقة. وتبنت هذه الدعوات التي لم يعهدها المجتمع الأردني، مجموعة تسمي نفسها «المعارضة الأردنية الموحدة»، ويتحدث باسمها الناشط الحراكي حسام العبداللات الذي قال ل «الحياة» إن «هذه المبادرة تهدف إلى التشهير بنخبة من كبار المسؤولين ورجال الدولة الحاليين والسابقين المتورطين بملفات فساد». وبدأ أعضاء المبادرة محطتهم الأولى من أمام منزل عماد فاخوري مدير مكتب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، واستمر الاحتجاج ساعات عدة، رغم اتسام الهتافات بخرق التابوات المحرمة في الأردن منذ عقود. ثم توجه المحتجون في محطتهم التالية إلى أحد القصور الفارهة المشيد على تلة راقية غربي عمان أيضاً، وتعود ملكيته إلى رئيس الوزراء السابق عبدالرؤوف الروابدة الملقب شعبياً ب «البلدوزر». لكن الروابدة، وهو «الرجل العنيد»، سارع إلى تحذير أعضاء المبادرة عبر وسائل إعلام محلية، مؤكداً أنه لن يقبل الإهانة والتجريح أمام منزله. وقال إن «هذا الأسلوب يشوه الرموز الوطنية ولا ينسجم مع القانون ولا يفيد أحداً». وبعد ساعات على حديث الروابدة، تداعى المئات من أبناء عشيرته إلى اجتماعات وتظاهرات قبالة منزله، وارتدوا قمصاناً تحمل صور «البلدوزر»، فيما أشهر العشرات سيوفاً وعصياً معدنية، محذرين من التطاول على شخص الرئيس السابق. وما هي إلا ساعات حتى وصل بعض المحتجين إلى محيط منزل الروابدة، وبدأوا يرفعون شعارات تتهمه بالفساد والوقوف خلف ابنته نادية التي صدر قرار حكومي بتعيينها قبل أيام مديرة لمؤسسة الضمان الاجتماعي. لكن المشهد الملتهب أصلاً، تحوّل في لمح البصر إلى اشتباك بين مئات المؤيدين للرئيس السابق وعشرات المناوئين له، ما أوقع عدداً من الإصابات بين معارضي الروابدة. وكان من بينهم العبداللات الذي أدخل المستشفى بعد إصابته بجروح وكدمات عميقة. وقال سياسيون بارزون حاورتهم «الحياة» في عمان إن المشهد المذكور «جاء ليزيد الطين بلة»، محذرين في الوقت ذاته من تطور الأمور إلى حد الاشتباك العشائري والمناطقي. في غضون ذلك، تداعى المئات من أبناء عشيرة العبداللات إلى اجتماعات عدة مساء أمس، وطالبوا بأخذ الثأر والقصاص من المعتدين على أحد أبنائهم. كما تداول ناشطو المواقع الاجتماعية عبر الإنترنت معلومات لم تتأكد عن قيام شبان من عشيرة العبداللات بإطلاق النار على قصر الروابدة فجر امس. ويؤكد ناشطو «المعارضة الموحدة» يؤكدون أنهم ماضون في سلسلة اعتصاماتهم أمام بيوت المسؤولين، ويقولون إن اعتصامهم المقبل سيكون أمام منزل رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي في ضاحية دابوق الراقية غربي عمان. حوار مع «الاخوان» في هذه الاثناء، اطلعت «الحياة» على تفاصيل حوارات خفيّة تجرى حالياً بين القصر الملكي و «الإخوان» بواسطة القيادي «الإخواني» السابق بسام العموش وعدد آخر من الشخصيات السياسية، خصوصاً رئيس الوزراء السابق فيصل الفايز، في محاولة لثني الجماعة عن مقاطعة الانتخابات. وقالت مصادر مطلعة على تفاصيل الحوار إن النقاش المتواصل منذ أسابيع والذي أحيط بحال من السرية، «توصّل إلى قواسم مشتركة يمكن البناء عليها خلال المرحلة المقبلة». وأشارت المعلومات المسرّبة إلى تعهد قطعه «الإخوان» بالعودة عن قرار المقاطعة شرط الموافقة على تعديل قانون الانتخاب للمرة الثالثة، بإضافة صوتيْن للناخب، مع الإبقاء على القائمة الوطنية المفتوحة. كما تضمن التعهد «الإخواني» الذي يُنتظر الرد عليه من جهة الدولة، القبول بتأجيل المطالب الأخرى المتعلقة بتعديلات إضافية على الدستور إلى ما بعد الانتخابات النيابية. وقال القيادي البارز في الجماعة مراد العضايلة ل «الحياة»: «إن الحوارات المذكورة أجريت بناء على توصية ملكية»، مضيفاً: «لا جديد حتى الآن، لكننا مستعدون لطرح العودة عن المقاطعة على مؤسساتنا الشورية في حال اتخذت خطوات حقيقية لتحقيق الإصلاح، بما فيها تعديل قانون الانتخاب». أنصار «القاعدة» يتظاهرون وسط عمان ويطالبون بإطلاق معتقليهم تحوّلت الساحات المحيطة بدار الحكومة الأردنية وسط عمان أمس إلى بؤرة ساخنة تجمع فيها مئات السلفيين من أنصار تنظيم «القاعدة» للمطالبة بالإفراج عن كوادرهم المعتقلين لدى السجون الأردنية. وفي مشهد لم يعتد عليه الأردنيون، تجمع هؤلاء ممن يطلقون على أنفسهم اسم «التيار السلفي الجهادي» وسط حضور أمني مكثف، مطالبين أيضاً بتحكيم الشريعة الإسلامية في البلاد وإعلان ما أسموه «الجهاد المقدس في بلاد الشام». وتظاهر المحتجون في مسيرة جابت الشوارع المحاذية لدار الحكومة، ورددوا هتافات سمع منها: «الشعب يريد تحكيم القرآن»، و «الشعب يريد إطلاق الأسير»، في إشارة إلى معتقلي التيار الذين يقبعون في السجون الأردنية وعددهم يزيد عن 50 شخصاً وفق الأرقام الحكومية. ورفع المحتجون خلال المسيرة لافتات كتب عليها: «أبناؤنا تحت التعذيب إلى متى؟!»، و «لا للاعتقالات التعسفية»، و «لمصلحة من يبقى المقدسي في السجن؟»، في إشارة إلى منظر التيار السلفي الجهادي في الأردن عصام البرقاوي المعروف ب «أبو محمد المقدسي». وشهدت المسيرة التي انطلقت وانتهت في شكل سلمي، حضوراً لافتاً لشبان أطلقوا لحاهم وارتدوا ثياباً أفغانية، وهي عبارة عن قمصان طويلة وسراويل قصيرة. كما ارتدوا عمائم سوداً تيمناً بزعيم تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» أبو مصعب الزرقاوي الذي قتل في العراق عام 2006. وشاركت في المسيرة قيادات بارزة في التيار الجهادي من أمثال منظر التيار شمال المملكة عبد شحادة المعروف ب «أبو محمد الطحاوي»، ومحمد الشلبي المعروف ب «أبو سياف»، وأسامة أبو كبير أحد أبرز المقاتلين الأردنيين في العراق، والذي اعتقل لسنوات في سجن غونتانامو. وقال «أبو سياف» ل «الحياة»: «جئنا لنطالب بأسرانا المعتقلين في السجون الأردنية... هؤلاء أبرياء، وعلى الدولة أن تطلق سراحهم». وأضاف: «لم نفجر ولم نقتل أحداً في عمان... أبناؤنا أرادوا الجهاد في دول ترزح تحت نير الاحتلال، وبعضهم حاول التسلل إلى سورية... لكنه تعرض للأسر على أيدي الأجهزة الأردنية». وقال «أبو محمد الطحاوي» في كلمة له خلال التظاهرة: «إن الجهاديين يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية في الأردن، كما يعلنون وقوفهم إلى جانب أهل السنّة والجماعة في سورية». وتابع: «لنا عناصر تقاتل في الشام، وعلى الحكومة أن تفرج عن بقية المعتقلين الذين حاولوا الدخول إلى سورية». وزاد: «سنعلن الاعتصام المفتوح في الشوارع والساحات إن لم تطلق السلطات المعتقلين».