فيما ارتفعت نسبة تجديد المرشحين للانتخابات اليوم على لوائح "التجمع الدستوري" ستين في المئة، ارتفعت النسبة على لوائح المعارضة الى اكثر من 80 في المئة احياناً بسبب انسحاب عدد كبير من القياديين السابقين من احزابهم واحياناً من العمل السياسي اصلاً. وبمراجعة اسماء المرشحين لاقتراع اليوم والذين ارتفع عددهم الى 906 مرشحين على كل اللوائح ومقارنتها بلوائح الانتخابات الاخيرة العام 1994، يبدو لافتاً غياب قطاع واسع من الصف الاول في "حركة التجديد" و"حركة الديموقراطيين الاشتراكيين" و"التجمع الاشتراكي" و"الحزب الاجتماعي" وبدرجة اقل في لوائح "الاتحاد الديموقراطي" و"حزب الوحدة الشعبية". وتعزى اكثرية الانسحابات الى ازمات و"خضات" داخلية عرفتها الاجهزة في السنوات الماضية مما ادى الى ابتعاد النائبين احمد خصخوصي وعمار الشكماني عن الديموقراطيين الاشتراكيين وسالم رجب وفتحي قديش ومحمد الخلايفي عن "التجديد" وسهام بن سدرين عن الاشتراكي. وقدرت اوساط "الدستوري" نسبة التجديد ب60 في المئة على لوائحها ما ابعد كثيراً من الوجوه - التي بدت "محترفة" للعمل البرلماني مثل رئيس البرلمان السابق الحبيب بولعراس ورئيس اللجنة السياسية الطيب السحباني - من المجلس المقبل، الا ان مرشحين آخرين عادوا الى البرلمان بعد غياب طويل مثل عبدالله العبعاب اكبر النواب سناً في المجلس المقبل او الهاشمي العامري وعمارة المخلوفي، فيما حافظ آخرون على مقاعدهم لاكثر من ولايتين مثل صلاح الدين المستاوي ومحسن الدريدي وعبدالباقي باشا ومحمد الطرودي، ولوحظ ان كثيراً من هؤلاء "القدامى" كانوا نواباً في ظل حكم الرئيس السابق الحبيب بورقيبة. وفيما استطاع "الدستوري" تجديد وجوهه البرلمانية اعتماداً على كوادر الدولة ورجال الاعمال والجامعيين المنتمين اليه، اضطرت احزاب المعارضة لترشيح اعداد كبيرة من الشخصيات غير المعروفة شعبياً لأن هدفها الاساسي تشكيل اكبر عدد من اللوائح في اوسع مجال ممكن من الدوائر الخمس والعشرين حتى تحصد عدداً من الاصوات يتيح لها المشاركة في تقاسم المقاعد المخصصة للأقلية من موقع مريح. ما هي المقاييس؟ "الاساس هو ان نأخذ معنا اي ناخب مستعد للترشيح على لائحة حزب معارض في دائرته. لا يهمنا ان كان من وجاهات المدينة او الحي ام لا". هكذا شرح ببساطة احد المسؤولين في حزب معارض "شروط" اختيار المرشحين. والنتيجة ان الكوادر التي دربتها الاحزاب منذ الثمانينات تاريخ الترخيص لثلاثة احزاب لم تكن العمود الفقري للمرشحين. وفي هذا السياق يتوقف المراقبون عند مثال اعرق حزب في المعارضة بعد الحزب الشيوعي حركة الديموقراطيين الاشتراكيين التي شكلت الوجوه الجديدة 87 في المئة من مرشحيها في انتخابات اليوم بل مئة في المئة في خمس عشرة دائرة من اصل 25 دائرة ما يعني ان اعضاء المكاتب السياسية والمجالس الوطنية اللجان المركزية السابقة غادروا الحزب مع الزعماء الذين أبعدتهم الازمات التي جابهت الحركة في الماضي. الا ان الغائب الاكبر في الانتخابات الاشتراعية هو "الاتحاد العام التونسي للشغل" الذي طلب في الصيف الماضي دوراً في العملية الانتخابية وموقعاً في المجلس المقبل "يوازيان حجمه في الحركة الوطنية وفي بناء الدولة المستقلة" اي دور الشريك الاكبر للتجمع الدستوري. وذهبت صحيفة الاتحاد "الشعب" التي يديرها الامين العام اسماعيل السحباني الى حد اقتراح ان تكون للاتحاد كتلة برلمانية لا تقل عن التي اسندت له على ايام الوزير الاول السابق محمد مزالي 27 مقعداً والذي كانت علاقاته متوترة مع اتحاد العمال. وعلى رغم ان الاتحاد خصص اجتماعاً لهيئته الادارية لموضوع الانتخابات بالكامل فانه قرر مساندة ترشيح الرئيس بن علي لولاية ثالثة وافسح حرية الترشيح على لوائح الاحزاب لاعضائه في الانتخابات الاشتراعية. واختار "الدستوري" خمسة كوادر نقابية على لوائحه بينهم ثلاثة كانوا نواباً فيما رشحت احزاب المعارضة عدداً محدوداً من الوجوه العمالية التي قبلت الترشيح على لوائحها. الا ان حظوظ الاخيرين ضعيفة على عكس زملائهم على لوائح "الدستوري" الذين يُعتبر فوزهم محسوماً. أياً كان حجم الحضور النقابي في انتخابات اليوم فهو يعكس غياباً لاكبر قوة منظّمة خارج الحزب الحاكم والتي ينظر اليها مراقبون كثر تجاوزاً على انها الحزب الاقوى للحكم. وتستند هذه الرؤية على عنصري القوة اللذين يتمتع بها الاتحاد العام للعمال. فهو الوحيد مع "الدستوري" الذي يملك فروعاً ومكاتب في كل المحافظات بل وفي المعتمديات الأقضية التي يقدر عددها ب270 معتمدية، اضافة الى كونه يملك اكثر من ثلاثة آلاف كادر مسيّس يراوح مستواهم التعليمي بين الثانوي والجامعي، ما يشكّل قوة لا تتمتع تشكيلات المعارضة مجتمعة بعشرها. ومثلما فعل في الانتخابات الاخيرة 1994 فضّل "الاتحاد" البقاء في الاحتياط واحجم عن خوض معركة الترشيح للبرلمان المقبل لاسباب لم تُعرف بعد. وأدى غيابه وابتعاد الوجوه البارزه في المعارضة التي شاركت في انتخابات العام 1989 والعام 1994 الى اختلال كبير في التوازن بين "الدستوري"، الذي سيحصد كل المقاعد المخصصة للدوائر 148 مقعداً وسيجدد لرئيس المجلس السابق فؤاد المبزع الذي قاد لائحة مرشحيه في دائرة تونس الاولى، ومرشحي المعارضة الذين تطغى عليهم الوجوه الجديدة والذين سيتنافسون في ما بينهم على مقاعد الاقلية. وفي حين غاب الاتحاد العام للطلاب من المعركة الانتخابية، رشحت المنظمات الشعبية القريبة تقليدياً من "الدستوري" رؤساءها وبعض قيادييها على لوائح "التجمع"، خصوصاً اتحاد الصناعيين والتجار الذي رشح رئيسه الهادي الجيلاني في دائرة تونس الاولى واتحاد المزارعين الذي قاد رئيسه عبدالباقي باشا لائحة "التجمع" في دائرة نابل واتحاد المرأة الذي تزعمت رئيسته المهندسة نعيمة خياش لائحة تونس الثانية في مواجهة زعماء "التجديد" و"الاشتراكي" و"الاجتماعي" و"الديموقراطي". لكن على رغم المشاركة المكثفة لاجهزة المنظمات الشعبية بقي مستوى الاقبال على حضور الاجتماعات الانتخابية التي انتهت ليل الجمعة - السبت ضعيفاً لدى المواطن العادي ما شكل مؤشراً الى احتمال قلة الحماسة للمشاركة في الاقتراع اليوم، ربما بسبب كون الانتخابات لا تحمل مفاجآت ولا تتسم بسخونة المجابهة بين قوى متكافئة بحيث يكون صوت الناخب مرجحاً للموازين في الدوائر. وقدرت مصادر غير رسمية عدد الذين سجلوا اسماءهم على لوائح المقترعين بنحو خمسين في المئة ممن يحق لهم التصويت. وأياً كانت صحة النسبة المقدرة، فالثابت ان الاقبال لن يصل الى المستوى الذي بلغه في الاستحقاقات السابقة.