وجه رئيس جنوب افريقيا السابق نيلسون مانديلا خطاباً مهماً الى الشعب الفلسطيني عبر المجلس التشريعي، وذلك في اليوم الثاني من زيارته التاريخية لفلسطين. وصفق نواب الشعب والحضور طويلاً، مرات ومرات لمانديلا الذي يكنّ له الشعب الفلسطيني احتراماً وتقديراً عاليين، ويعتبر رمزاً من رموز النضال كما الرئيس ياسر عرفات. وألقى أحمد قريع أبو علاء رئيس المجلس كلمة، حيا فيها "المناضل الكبير"، واعتبر زيارته تشريفاً للشعب الفلسطيني. "أشعر انني في بيتي"... بهذه الكلمات بدأ رئيس جنوب افريقيا السابق نيلسون مانديلا كلمته التي وجهها للشعب الفلسطيني في جلسة عقدها المجلس التشريعي الفلسطيني في غزة أمس خصيصاً لاستقباله. وأضاف مانديلا قائلاً: "ان تغيير السياق لم يُغير من قوة الروابط بيننا لأننا كنا شركاء في المعركة، والآن نحن شركاء في السلام". وأكد ان شعبيْ فلسطينوجنوب افريقيا "عاشا عشرات السنوات من الحرمان والدماء في معركة النضال ضد القمع والحرمان"، مشيراً الى انه "في مرحلة معينة من هذا النضال على الشعب المضطهد ان يختار بين النضال المسلح، والحل السلمي"، منوهاً بأن الشعبين اختارا "الخيار الصعب... خيار المفاوضات، حتى في ظل أقسى الظروف التي تطلبت استخدام العنف". وقدم مانديلا اعتذاراً شديداً للشعب الفلسطيني، لعدم طلبه من القادة الاسرائيليين الذين قابلهم اطلاق المعتقلين الفلسطينيين، قائلاً: "انني لسوء الحظ، ويجب ان اعترف أنني لم أشر الى قضية الاسرى الفلسطينيين... نسيت هذا، ولكن سأقوم بالتحدث في هذه النقطة عندما أعود الى بيتي، لأنها مهمة جداً ... خصوصاً عندما يكون الاعزاء في السجون... انني اعرف الألم". وهنا قاطعه الحضور الكبير بالتصفيق الحار والطويل. وأضاف: "أنا واعٍ جداً للآلام... استميحكم العذر... لأنني لم أتحدث في هذه النقطة". وكان قريع افتتح الجلسة مرحباً بمانديلا قائلاً: "مرحباً بك رمزاً من الرموز العالمية في التضحية والنضال ضد الاستعمار والقهر والتمييز العنصري. مرحباً بك في أول زيارة لفلسطين، التي طال انتظار شعبنا لها"، واصفاً إياه ب"المقدام الذي لم يعرف الضعف او التراجع، ورجل الدولة الذي يتميز بالنزاهة والوفاء والتواضع، والذي قدم للعالم دروساً في ادارة الصراع السياسي". وأضاف قريع مخاطباً مانديلا، الذي امضى 27 عاماً في زنازين سجون نظام الفصل العنصري: "إن تاريخكم، وتجربتكم النضالية الطويلة والغنية يظلان ضوءاً يخترق عتمة الزنازين لأسرانا الأبطال المناضلين القابعين في سجون الاحتلال الاسرائيلي، يشد من أزرهم، ويستمدون من صمودكم التاريخي الاسطوري خلف القضبان أنموذج الصمود". وأوضح قريع ان خيار السلام، هو "خيار استراتيجي مبدئي لا تراجع عنه ما دام هناك أمل بنجاحه". واكد مانديلا انه اذا لم يحقق السلام الاهداف الوطنية المنشودة، ولم يكن خيار سوى خيار العنف "فسنختار العنف"، فصفق الحضور طويلاً. وكرر مانديلا ان اول شرط من اجل تحقيق السلام هو انسحاب الاحتلال الاسرائيلي من جميع الأراضي التي احتلت عام 1967، وضرورة ان تعترف الدول العربية بالدولة العبرية في حدودها، وأن تتشكل لجنة دولية الغرض منها مساعدة الدول العربية والدولة العبرية في الاعلانات الخاصة بالانسحاب والاعتراف، والتأكد من ان جميع الاجراءات الخاصة بذلك مطبقة على الأرض. ترحيب حار ووقف نحو ألف فلسطيني، وصفقوا طويلاً فور انتهاء مانديلا من القاء كلمته أمام المجلس التشريعي الفلسطيني، الذي عقد جلسته في قاعة مركز رشاد الثقافي في مدينة غزة أمس، بحضور الرئيس ياسر عرفات الذي جلس الى يسار مانديلا ورئيس المجلس أحمد قريع ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون وأعضاء المجلسين الوطني والتشريعي، وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والوزراء وقادة الفصائل والقوى السياسية والأسرى المحررين الذين أطلقوا أخيراً. ووقف مانديلا جهة اليمين، وعرفات جهة اليسار، فيما تشابكت أيديهما وفوق رؤوسهما اعلام البلدين، وعبارة "لنا حلم مشترك"، وذلك في صورة جمعت الزعيمين الثوريين، وألصقت على مداخل قاعة الجلسة وفي شوارع مدينة غزة. وعلقت لافتات من القماش كُتب عليها "عرفات - مانديلا اسمان للحرية". وعبّرت عجوز فلسطينية في العقد السابع من عمرها عن سعادتها بقدوم "المناضل الكبير" الى فلسطين، موجهة حديثها للصحافيين الفلسطينيين الذين كانوا في انتظارهم عند مدخل القاعة قائلة: "كل سنة وانتو سالمين، لا اريد أن أوصيكم، صوّروا كويس". وشدد رجال الأمن الفلسطينيون الذين انتشروا في القاعة والمكان بكثافة على مصوري وسائل الاعلام عدم استخدام "فلاش" الكاميرا، نزولاً عند رغبة "ضيف فلسطين الكبير" الذي يحرص على عينيه من ضوء الكاميرات. وطرد الذين لم يكن لديهم علم مسبق بذلك من المكان بسبب استخدامهم "الفلاش" اثناء التصوير أو الاضاءة القوية لكاميرات التلفزة. والتزم المواطنون الفلسطينيون في بيوتهم لمشاهدة أحد زعماء العالم القليلين الذين تُوّجت نضالاتهم وكفاحهم برئاسة دولتهم بعد انتهاء او انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. وكان عدد من المواطنين الفلسطينيين ذوو البشرة السوداء، المتحدرين من أصول افريقية، توجهوا الى مانديلا لمصافحته في لفتة لمست الحضور. وصافح عدد من الأسرى المحررين الفلسطينيين مانديلا، فيما عاد البعض منهم خائباً.