سند المناقشات الدائرة على دور الاسلحة النووية وحديها في إرساء السلام أو نشر الدمار ملاحظتان بسيطتان. فالدول النووية لم تلجأ الى الاسلحة النووية منذ 1945 الى اليوم، ولم تقع حرب نووية أو غير نووية بين دولتين نوويتين. ومرد ذلك الى أن الدول النووية تلتزم قدراً من العقلانية. فقادتها، سواء كانوا اغبياء أو فاسدين أو اشراراً، لا يقدمون على خطوات غير محسوبة العواقب. ولا يشن بلد حرباً إذا لم يكن على يقين من أن مردود القتال معقول، وأن ما يترتب عليه مقبول. وهذا شأن صدام حسين وأدولف هتلر. وشن كل منهما حروباً حسبا أنهما قادران على الانتصار فيها. ولكن القادة غالباً ما يقومون برهانات خاطئة، ويسيئون تقدير طاقات الطرف الآخر وردود حلفائه. فيدفع المدنيون الأبرياء الثمن. والاسلحة النووية تقلب الآية هذه. فهي تجعل كلفة الحرب واضحة وغير مقبولة. ففي وسع طرفين يملكان سلاحاً نووياً تدمير أحدهما الآخر دماراً شاملاً يجعله رماداً بكبسة زر. فالانتصار غير ممكن في حرب ضد دولة نووية. ووراء السلم النووي الذي شهده العالم منذ نهاية الحرب الثانية، منطق الردع المتبادل وتوازن الرعب. فالقوى الكبرى تجنبت القتال، في العقود الاخيرة، على رغم أنها خاضت حروباً بالوكالة، في كوريا وفيتنام وأنغولا وأميركا اللاتينية. ولكن أوجه الشبه بين الحروب هذه والحروب العالمية بين القوى العظمى، ضعيفة. ففي الحرب العالمية الثانية قتل 50 الى 70 مليون شخص. ومنذ انتهاء الحرب هذه، سفك دم أقل، وحرصت القوى النووية على تجنب الحروب المباشرة. ولا ريب في أن أزمة الصواريخ في كوبا كادت تنزلق الى مواجهة نووية. لكن سرعان ما رجعت القوتان عن موقفهما. فالحرب النووية تقضي على الجميع، على ما تنبها، ويومها، قال مساعد امين عام الاتحاد السوفياتي، فيودور بورلاتسكي»: الانتصار في حرب نووية مستحيل. والطرفان أدركا الامر، ربما للمرة الاولى في التاريخ». ووقعت حوادث مشابهة. وأوشكت دول مسلحة نووياً على خوض حرب، ثم أمسكت. وهذه حال الهند وباكستان. فالدولتان خاضتا 3 حروب مدمرة، بعد الاستقلال، وقبل حيازتهما أسلحة نووية في 1998. وعزفت الدولتان عن شن حرب جديدة بعد امتلاك أسلحة الدمار الشامل، على رغم وقوع حوادث خطيرة، منها هجمات إرهابية على الهند، وأُعدت بباكستان، في 2001، و2008. ووقعت معركة صغيرة بين الطرفين في كشمير، في 1999. ولكن الهند وباكستان حرصتا على حصر نطاق القتال، وتجنب تهديد مصالح البلد الآخر الأساسية لتفادي وقوع محرقة نووية. ولاحظ سوميت غانوغولي، صاحب «الهند وباكستان والقنبلة النووية» أن آراء المسؤولين الهنود والباكستانيين كانت مشابهة لآراء الروس والاميركيين في 1962. ولكن ثمة متشائمين يرون أن منطق ردع السلاح النووي الحروب لن يصدق في المستقبل، ولو صدق في الماضي. فالطامحون، اليوم، الى حيازة أسلحة نووية لا يؤتمنون على قنبلة نووية. ولكن هل محمود أحمدي نجاد وكيم يونغ - ايل مجنونان، ويبعثان على الخوف أكثر من ستالين وماو؟ وقد تجيب تل أبيب أو سيول بالإيجاب. ولكن وقائع التاريخ ترد بخلاف الرأي هذا. فنيكيتا خروتشو، أمين عام الحزب الشيوعي السوفياتي، هدد ب «طمر» الولاياتالمتحدة. وأعلن ماو أن شن حرب نووية خطوة معقولة. ف «إذا قتل نصف البشر... أصبح العالم المتبقي كله اشتراكياً». وشأن بكين وموسكو في الماضي، تدعم بيونغ يانغ وطهران الارهاب. وعلى رغم شيوع نزعات ستالين وماو الانتحارية، وأعمالهما القمعية الداخلية أودت بنحو 40 مليون نفس، تجنب الزعيمان خوض حرب نووية. وينتهج نظام الملالي الايراني سياسات عقلانية وعملانية، حين يكون بقاؤه على المحك. فالجمهورية الاسلامية الايرانية لم تشن حرباً منذ نشوئها. وهي أبرمت اتفاقات مع واشنطن وتل أبيب، وسعت الى انهاء الحرب مع العراق، عندما أدركت أن الانتصار ليس في متناولها. وكوريا الشمالية بلد صغير وفقير على رأسه عائلة واحدة. وشاغل النظام الوحيد هو البقاء. وهو يتراجع عن مواقفه العدائية دورياً، بعد أشهر قليلة على اعلانها. وليس ثمة قرائن على أن نظامي بيونغ يانغ وطهران يسعيان الى اطاحة أنظمتهما. ويرى اصحاب السيناريوات النووية المتشائمة أن مثل هذه الدول قد تزود الارهابيين سلاحاً نووياً. ومثل هذا الاحتمال ضعيف. فواشنطن أعلنت أنها سترد على البلد المسؤول عن تزويد الارهابيين بسلاح نووي، في حال شن هؤلاء ضربة نووية. ومن المستبعد أن تزود طهران، في حال حازت قنبلة نووية، منظمات مثل «حزب الله»، بها. والمصالح المشتركة بين طهران و «القاعدة» لا تذكر. فلماذا قد يعطي الملالي كنزهم الثمين بن لادن؟ والحق أن أبرز المخاطر هو انهيار النظام الكوري الشمالي أو الباكستاني. ولكن عِبر التاريخ مطمئنة. فالصين حازت قنبلتها النووية، في 1964، قبل عامين من فوضى الثورة الثقافية. ويومها كانت المؤسسات الصينية مهددة. ولكن بناها التحتية النووية بقيت في منأى من الاضطراب. وعند انهيار الاتحاد السوفياتي، أسهمت الولاياتالمتحدة في حفظ الترسانة النووية السوفياتية. وأرست باكستان نظاماً معقداً لحماية ترسانتها النووية. واحتمالات وقوع الاسلحة النووية في أيدي طالبان، في حال انهيار الدولة الباكستانية، ضئيلة. ويرى خبراء أن افتراض استعمال الارهابيين الاسلحة النووية الثقيلة والمعقدة غير واقعي. فتشغيل ترسانة نووية عصرية مهمة صعبة. الاجهزة تحتاج الى صيانة دائمة، وتخريبها يسير. واحتمال انتشار الاسلحة النووية ضعيف. فواشنطن أعلنت استعدادها لحماية الشرق الاوسط بمظلة نووية، في حال صنعت ايران القنبلة النووية. ولن تكون نتائج حيازة دولتين خليجيتين سلاحاً نووياً كارثة. * معلق، عن «نيوزويك» الاميركية، 15/9/2009، اعداد منال نحاس