أعاد التدخل العسكري الروسي في سورية، الشهر الماضي، إلى الأذهان حقبة الحرب الباردة بين الولاياتالمتحدة والإتحاد السوفياتي خلال القرن الماضي، والتي مرت بمراحل حرجة كان أخطرها تخطيط واشنطن لتفجير نووي على سطح القمر. وتختلف روسيا مع أميركا حول خريطة الطريق لحل الأزمة السورية، إذ ترى واشنطن أن الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن يرحل، وتدعم بعض فصائل المعارضة التي تصفها ب«المعتدلة»، فيما ترى موسكو أن لا حل في سورية من دون الأسد. وقدمت موسكو إلى الأسد دعماً سياسياً وعسكرياً وصل إلى شن ضربات جوية ضد الفصائل المقاتلة على الأرض من دون تمييز، وهو ما حذرت منه واشنطن. واعتبر الرئيس الأميركي باراك أوباما أن «مآله الفشل»، وقد يجر روسيا إلى «مستنقع» في الحرب السورية. وأكد أن الدعم الأميركي للمعارضة المعتدلة سيستمر وأن «نظام الأسد سيسقط في النهاية». وبدأت الحرب الباردة بين الإتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة عقب الحرب العالمية الثانية، واستمرت حتى تفكك الاتحاد السوفياتي رسمياً في مطلع تسعينات القرن الماضي، لترثه روسيا. وشهدت تلك الحقبة صراعات خطرة حملت عناوين عدة، منها «السباق على التسلح» وصراع التفوق في علوم الفضاء. وكانت أخطر مراحل تلك الصراعات عندما وضعت الولاياتالمتحدة خطة سرية للغاية في خمسينات القرن الماضي سميت «مشروع 119 ايه»، سعت من خلالها لتفجير قنبلة نووية على القمر، بهدف تحقيق انتصار معنوي للشعب الأميركي، بالإضافة إلى بعض الأغراض العلمية. وذكرت صحيفة "اندبندنت" البريطانية في العام 2008 أن الولاياتالمتحدة كانت تهدف من خلال تفجير القنبلة على سطح القمر إلى «استعراض القوة وإرهاب الاتحاد السوفياتي بالإشعاعات النووية التي ستنبعث من التفجير»، والتي قدروا أنه يمكن مشاهدتها من الأرض. ونقلت عن العالم الفيزيائي الأميركي ليونارد ريفيل الذي شارك في المشروع قوله، إن «الخطة كانت ستمنح الولاياتالمتحدة الدفعة المعنوية التي احتاجتها بعد إطلاق السوفيات القمر الاصطناعي «سبوتنيك 1» في العام 1957». وذكرت الصحيفة أن «واشنطن قررت استخدام قنبلة نووية لأن الهيدروجينية كانت ثقيلة جداً على الصاروخ الذي سيحملها». وفي مقابلة مع صحيفة «ذي أوبزرفر»، نقلتها «ذي غارديان» البريطانية في العام 2000، قال ريفيل إن «الولاياتالمتحدة كانت متخلفة عن السوفيات في سباق الفضاء، وأرادتهم أن يروا سحابة الفطر النووية من الأرض». وأضاف: «أوضحت آنذاك أن كلفة هذا التفجير ستكون ضخمة للغاية. سيدمر بيئة القمر البكر، لكن القوات الجوية الأميركية المعنية أساساً بكيفية التفجير، كانت ستراقب من الأرض». وأكد ريفيل أن «التفجير كان ممكناً من الناحية التقنية باستخدام صاروخ نووي عابر للقارات. كان يستيطع أن يضرب أي هدف على سطح القمر بدقة». وكان من المفترض إطلاق الصاروخ من مكان غير مأهول وسري، لينطلق في رحلة ال238 ألف ميل إلى القمر، حيث يتم تفجيره بمجرد الاصطدام بسطح القمر. وقال ريفيل إن عدداً من كبار ضباط القوات الجوية الأميركية طلبوا منه في العام 1958 تحديد «المسار السريع» للصاروخ. وأشار ريفيل إلى أن العديد من وثائق الحرب الباردة ما زالت سرية في الولاياتالمتحدة، لكن تفاصيل هذه الخطة ظهرت بعد نشر سيرة عالم الفلك الأميركي كارل ساجان، والذي تم التعاقد معه آنذاك لحساب سلوك الذرات والغازات التي ستنتج من التفجير. وأضاف أن « ساجان اقترح استخدام الانفجار للكشف عن الكائنات الحية على سطح القمر العلماء، إذ كان العلماء يعتقدون آنذاك أنه ربما توجد حياة ميكروبية على سطح القمر». وقالت صحيفة «اندبندنت» إن القادة العسكريين الأميركيين تخلوا عن فكرة تفجير القمر التي كان من المفترض تنفيذها في العام 1959، بسبب مخاوفهم من تأثير ذلك على الأرض في حال فشل التفجير. وأضافت أن الولاياتالمتحدة كثفت جهودها في مجال الفضاء بدلاً من تفجير القمر، وتمكنت من الفوز في السباق وإرسال نيل آرمسترونغ إلى القمر، ليصبح أول إنسان يمشي على سطحه في العام 1969. وكانت صحيفة «الشعب» الرسمية التابعة ل«الحزب الشيوعي» الحاكم في الصين، اتهمت الولاياتالمتحدةوروسيا بالعودة إلي لعبة «الحرب الباردة» بالتورط في تدخل عسكري في سورية، قائلة: «إن البلدين في حاجة إلى إدراك أن ذلك العهد ولّى، ويجب عليهما الدفع في اتجاه محادثات سلام». وقالت الصحيفة إن الولاياتالمتحدةوروسيا يبدو أنهما تستخدمان سورية ساحة للمنافسة الديبلوماسية والعسكرية، مثلما كان الحال إبان «الحرب الباردة». وتابعت أن «الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي استخدما شتى أنواع الأعمال الديبلوماسية والاقتصادية والعسكرية على أراضي دول ثالثة، في منافسة للإنتقام المتبادل لزيادة نفوذهما»، مضيفةً «أنه مشهد قديم من الحرب الباردة، لكننا الآن في القرن ال21 والناس في حاجة إلى تفادي هذا». وبدأت روسيا الشهر الماضي شنّ ضربات جوية ضد أهداف في سورية، في تصعيد خطير للتدخل الأجنبي في الحرب الأهلية هناك. وقوبل الأمر بانتقاد من جانب الغرب الذي وصف الضربات الجوية الروسية بأنها «لدعم الرئيس السوري أكثر من هدفها المعلن وهو مهاجمة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)». وتشن الولاياتالمتحدة وحلفاؤها ايضا ضربات جوية في سورية ضد تنظيم «داعش»، ويدعمون جماعات المعارضة التي تقاتل قوات الاسد. يذكر أن الصين حذرت مراراً أن التدخل العسكري لا يمكنه إنهاء الأزمة السورية.