قالت مصادر عراقية موثوق بها ان "تصفية" رئيس المخابرات رافع دحام التكريتي ستكون بداية تحولات جدية وجذرية في مراكز القوة التي يعتمد عليها الرئيس صدام حسين في تثبيت سلطته، لافتة الى ان تلك المراكز تشهد حالة من التداعي وبسرعة فائقة نتيجة تعدد الولاءات. وتؤكد تلك المصادر ان عائلة التكريتي أخبرت بمراجعة مستشفى ابن سينا الرئاسي حيث كان رافع يرقد لإصابته بنوبة قلبية، لكنها لم تجده، وأخبرها عناصر الأمن الخاص بأنه مات متأثراً بالنوبة، ولم يتمكن أحد من العائلة من رؤية التكريتي الذي شيع على عجل، بعد جنازة تولت دائرة المراسم في ديوان الرئاسة ترتيبها. وأشارت المصادر ذاتها الى ان رافع دحام التكريتي الذي استدعي عام 1997 من منصبه كسفير للعراق في تركيا انتظر أكثر من عشرة أيام متوقعاً ان يستدعيه الرئيس صدام في أي لحظة بعد قرار تعيينه مديراً للمخابرات. وهو تقليد اتبعه صدام مع كل الذين تولوا "المنصب الحساس". وكي يظل التكريتي "رهن الإشارة" أقام في "فندق الرشيد"، منقطعاً عن أقرب الناس اليه ومتوقعاً ان الرئيس سيوجهه باتجاه العمل ضد المعارضة كهدف اساسي. وتضيف المصادر العراقية ان ثلاث نقاط تضمنتها توجيهات صدام لعمل رافع التكريتي في المخابرات، أولها ايقاف التداعي ورفع معنويات الجهاز بعد استشراء الفساد بمختلف أشكاله، حتى ان المخابرات غير قادرة على معرفة منفذي عملية اغتيال عدي عدا علي عزت عضو مكتب عسكري سابق كانت سيارته الرياضية موجودة قرب موقع عملية الاغتيال بضاحية المنصور وسط بغداد وتمت تصفيته في السجن بعد اسبوع من محاولة الاغتيال التي جرت في كانون الأول/ديسمبر 1996. وإضافة الى مظاهر الرشوة والولاء العشائري المتصاعدة وضرورة ايقافها، اشار صدام الى ضرورة اعادة النظر في المجموعة المحسوبة على أخيه غير الشقيق برزان التكريتي. كذلك طلب من رافع اعادة فتح ملف حسين كامل والقوى التي ما تزال تحتفظ بموقع له. وأشارت المصادر السابقة ان صدام أوصى التكريتي بالإشراف على التفاوض مع الأكراد، معتمداً على اسلوب تعميق اكبر قدر من الخلاف بين الحزبين الرئيسيين وتسهيل توقيعهما اتفاقاً كلاً على انفراد مع بغداد. وترى المصادر ان "توسيع قنوات الاتصال مع روسيا" كان الركن الثالث في وصايا صدام لمدير جهاز مخابراته، خصوصاً وان اتفاقات اقتصادية مع موسكو يمكن ان تغطي على اتفاقات تتعلق بإعادة بناء الترسانة العسكرية وتجهيز الدفاع الجوي بوسائل جديدة تتيح لبغداد اسقاط طائرة أو اكثر في منطقة الحظر الجوي، مما يقوي موقفها التفاوضي حول العقوبات ورفعها. غير ان ما حصل على أرض الواقع بحسب تلك المصادر كان على العكس مما أوصى به الرئيس صدام. فعلى مستوى اعادة تنظيم الجهاز وتطويره، تعرض رافع دحام الى نكسة تمثلت بهروب خمسة قياديين في الجهاز الى "جهات معادية". وهؤلاء هم مسؤول محطة المخابرات في براغ ومسؤول محطة اثينا ومسؤول محطة غرب آسيا في نيودلهي اضافة الى اثنين من العناصر القيادية في مقر الجهاز داخل العراق. كما فشلت خطوات "التطبيع" مع الاكراد مما عزز الشكوك حول وجود "اختراق" في الجهاز في ما يخص التعامل مع القضية الكردية. وجاء الكشف عن العلاقات المتصاعدة مع روسيا الصور الملتقطة لمواقع مهمة من الدول المجاورة للعراق وتطوير الرادارات ومنظومات الصواريخ ليؤكد لصدام ان جهاز مخابراته "اختراق" اكثر من مرة . وحمل المؤتمر الذي عقده جهاز المخابرات في نيسان ابريل الماضي اتهامات وجهها للتكريتي مساعداه خليل ابراهيم وحسن ثلج، وذهبت الى تحميله مسؤولية فشل خطط الجهاز في التحرك اقليمياً وعربياً ودولياً. غير ان المصادر تقول ان تلك الاتهامات كانت من ضمن خطة قصد منها خليل ابراهيم ابعاد التكريتي والاستئثار بثقة صدام ليصبح مديراً للجهاز، وهو ما لم يطمئن اليه الرئيس خشية الاخلال بالتوازن العائلي وتقوية كل من جمال مصطفى زوج حلا ابنة صدام وشقيقه كمال اللذين يحظيان بمواقع مهمة في الحرس الجمهوري والحرس الجمهوري الخاص، باعتبارهما على صلة عميقة بإبراهيم مما يجعل الثلاثة تياراً قوياً على حساب نفوذ ابنيه عدي وقصي. وترى المصادر ان "القشة التي قصمت ظهر البعير رافع التكريتي" جاءت مع الاعلان عن اتصال برزان التكريتي خلال وجوده في جنيف بعدد من المسؤولين العرب ملتمساً منهم الاقامة في بلدانهم مع ضمان عدم ممارسته أي نشاط سياسي. وتعتبر المصادر الكشف عن هذا الامر في بيانات للمعارضة العراقية ثم الحديث عنه علناً في الصحافة من دون ان تعرف به المخابرات أمراً لا يمكن السكوت عليه، مما جعل صدام يستشيط غضباً من رافع التكريتي. وتؤكد المصادر ان برزان التكريتي عاد مضطراً الى بغداد بعد رفض قبوله لاجئاً في أي من الدول العربية ورفض سويسرا تجديد اقامته، فيما بدأت عناصر من جهاز الأمن الخاص الذي يديره قصي تحقيقات مع ثلاثة قياديين في المخابرات بينهم أحمد الجعفري حول كيفية تسرب معلومات من جهاز المخابرات الى "جهات معادية".