شنّ العسكريون الباكستانيون حملة واسعة لمكافحة الفساد ، شملت إقامة نقاط تفتيش عسكرية في المطارات الرئيسية، للقبض على كل "الحيتان الكبيرة" التي يتهمها العسكر بنهب خزينة الدولة. واعتقل عشرات واودعوا السجن الى ان يعيدوا اموالا اختلسوها، فيما اطلق وزراء سابقون اعتقلوا غداة الانقلاب وابرزهم وزيرا الداخلية والخارجية. تمكن العسكريون في باكستان أمس الاحد من القبض على العشرات من المطلوبين الذين اودعوا السجون وسيظلوا هناك ما لم يدفعوا كامل المبالغ المتخلفين عن سدادها للبنك المركزي. وتُقدّر أوساط البنك المركزي هذه المبالغ ب 22 بليون روبية باكستانية أي ما يعادل خمسة بلايين دولار أميركي. وضمت لائحة تلقاها قائد الجيش الجنرال برويز مشرف اسماء 250 شخصية متخلفة عن سداد الديون المترتبة عليها. وتردد أن أوامر صدرت من القيادة العسكرية بشأن القبض على 54 شخصية مهمة بعضهم وزراء في الحكومة المعزولة. وترافق ذلك مع طرد الإنقلابيين احد عشر مسؤولاً رفيع المستوى بينهم مسؤولون في مصلحة الضرائب والإستثمار وغيرها. وجاء ذلك مع استدعاء السلطات العسكرية لثمانية عشر سفيراً في الخارج كون تعييناتهم كانت لأسباب سياسية وغير مهنية . ورُفعت أمس القيود عن ستة من الوزراء كانوا قيد الإقامة الجبرية بينهم وزير الداخلية السابق تشودري شجاعت حسين ووزير الطاقة جوهر أيوب خان ووزير الخارجية سرتاج عزيز، بيد أنهم رفضوا الرد على أسئلة الصحافيين خلال الإتصالات الهاتفية التي أُجريت معهم في أماكن إقاماتهم. وكان قائد الجيش أكد سابقاً أثناء اجتماعه مع القيادة العسكرية أن الأولوية ستعطى إلى إنعاش الإقتصاد والحفاظ على الوحدة الوطنية . وفي خطوة تراجعية حضت رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو العالم الغربي على منح مشرف فرصة ستة أشهر من أجل إعادة الديموقراطية إلى البلاد. كما ابدت استعدادها لتقديم النصائح للعسكريين لكنها أضافت: "لن أذهب إلى هناك ما لم يجر العسكر الإنتخابات". ليونة اميركية؟ ورأى المراقبون في تصريح الناطق باسم الخارجية الأميركية جيمس فولي تراجعاً أميركياً أيضاً في التعامل مع الإنقلابيين العسكريين بعدما كان متشدداً إزاء الإنقلاب، اذ أبقى الخيار مفتوحاً تجاه المساعدات التي تقدمها بلاده إلى باكستان، وكانت واشنطن هددت بقطعها ما لم يتعهد العسكر بتحديد جدول زمني لإعادة الديموقراطية. وأُفيد في إسلام آباد أن السفير الأميركي وليام ميلام سيعقد مؤتمراً صحافياً للتعليق على مضامين الخطاب الذي ألقاه الجنرال برويز مشرف مساء أمس. وكان السفير فشل في انتزاع تعهد من العسكر بشأن تحديد موعد لإعادة الديموقراطية إلى باكستان، بينما دعا قائد الجيش الباكستاني السابق الجنرال المتقاعد أسلم بيغ إلى تشكيل حكومة عسكرية لسنتين وذلك ليتمكن العسكر من تنظيف البلاد وإجراء عملية المحاسبة بحق كل الفاسدين، حسب قوله. وأضاف بيغ في مؤتمر صحافي دعا إليه في راولبندي قرب إسلام آباد، أن حل إشكالية اتخاذ القرار في باكستان تكمن في إنشاء مجلسين أحدهما مجلس استشاري والآخر مجلس الأمن القومي وذلك من أجل التوازن بين العسكر والسياسيين. وتعالت الأصوات المطالبة بمحاكمة رئيس الوزراء المعزول نواز شريف. وقال رئيس الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال المتقاعد حميد جول: "لا بد من محاكمته بسبب خياناته العظمى". وأُفيد أن السلطات العسكرية تجمع الأدلة التي تدين شريف في أعماله التي قام بها ضد الجيش والوحدة الوطنية، حسب المصادر، بينما دعت شخصيات أُخرى إلى منح شريف الفرصة للحديث إلى الشعب، من أجل تبرير موقفه والحديث عن الأخطاء التي وقع فيها، ويتم تداولها على نطاق واسع. مشرف الى الخارج من جهة أخرى، يُتوقع أن يتوجه قائد الجيش في أول زيارة رسمية له إلى الخارج لحضور اجتماع دول "سارك" وهي رابطة دول جنوب آسيا التي من المقرر أن تلتئم في كاتمندو الشهر المقبل. ونُقل عن مسؤول سري لانكي رفيع المستوى تترأس بلاده الدورة أنه رغم أن الدعوة تم توجيهها إلى الحكومة الباكستانية المعزولة، لكن هذا لا يمنع القادة الجدد من حضورها. ويبدو أن الرابطة لم تسلك طريق رابطة دول الكومنولث في تعليق عضوية باكستان فيها. وكانت بريطانيا وكندا اعلنتا تعليق عضوية باكستان في الكومنولث. لندن تهدد وفي لندن أ ف ب، اعلن وزير الخارجية البريطاني روبن كوك امس ان على باكستان الا تتوقع الابقاء على المساعدة المالية الدولية لاقتصادها خصوصاً مساعدة صندوق النقد الدولي، في حال بقي النظام العسكري في السلطة. وقال في مقابلة مع تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية بي بي سي ان "المشكلة الاساسية لباكستان هي وضعها الاقتصادي. فهي بحاجة الى برنامج اصلاحات اقتصادية يعطي الاولوية للسكان ويكافح الفقر". واضاف: "يصعب تصور ان تتمكن حكومة عسكرية من القيام بذلك. وفي حال اردنا دعم مثل هذا البرنامج الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي مثلا ومنح قروض، فعلينا التحقق من انها حكومة تحظى بدعم شعبي... والا فما فائدة استثمار الاموال؟". ويشارك كوك في لندن اليوم في اجتماع خاص للكومنولث لاتخاذ قرار بشأن اقصاء باكستان من المنظمة وللبحث في احتمال فرض عقوبات مالية على هذا البلد. وتابع ان "الدولة التي يقع فيها انقلاب عسكري تعلق نفسها من منظمة الكومنولث".