اتجهت باكستان نحو الخروج من المأزق الدستوري المتمثل في الصيغة المستقبلية للحكم بعد عزل رئيس الوزراء السابق نواز شريف. وجاء ذلك نتيجة انفراج نسبي في محادثات مكثفة لتشكيل حكومة انتقالية، تجاوباً مع دعوات دولية في هذا الشأن. راجع ص 7 وأكدت مصادر باكستانية مطلعة ل "الحياة" امس أن الرئيس الباكستاني رفيق ترر وعد بالتعاون مع الجيش في حل الإشكالية القانونية التي تعترض سبيلهم والمتمثلة في مشروعية عزل حكومة نواز شريف المنتخبة. وجاء ذلك خلال لقاء قائد الجيش الجنرال برويز مشرف مع الرئيس الباكستاني مساء. وفي غضون ذلك، تحدثت تقارير عن اعتقال موالين لشريف من أعضاء البرلمان الفيديرالي والمحلي. وعُرف من هؤلاء الناطق باسم برلمان اقليم البنجاب برويز إلهي. وعلمت "الحياة" أن الجيش الباكستاني اتصل بالأحزاب السياسية بشكل مباشر وعبر وسطاء، لاستمزاج رأيها في شكل الحكومة المقبلة. وحسب المصادر فإن قيادة الجيش تدرس أسماء مرشحين للحكومة المقبلة بينها ميان أظهر نائب رئيس حزب الرابطة الإسلامية الحاكم بزعامة شريف، الذي كان انشق عن الأخير قبل شهرين تقريباً. كما تم تداول اسمي رئيس المحكمة العليا السابق سجاد علي شاه وزعيم حزب الشعب الباكستاني أفتاب شيرباو الذي سبق وانفصل عن زعيمة الحزب بينظير بوتو. وقال الناطق باسم الجيش الباكستاني، أمس، أنه تم تعليق عمل الحكومات المحلية والفيدرالية، كما اعتقل الجيش ثلاثة من الجنرالات المتورطين مع شريف في "سعيه الى الإضرار بالمؤسسة العسكرية"، وهم الجنرال جاويد ملك الذي كان هدد بإطلاق النار على كل من يدخل مقر التلفزيون الباكستاني، اضافة الى الجنرال فاروق برويزي والجنرال ضياء الدين. وكشف الناطق بعض ملابسات الإنقلاب، فقال أن طائرة قائد الجيش الباكستاني برويز مشرف وصلت اول من امس إلى مطار كراتشي حيث أُمرت بالتوجه إلى منطقة نواب شاه. وعندما قال الطيار أن الوقود لا يكفي، قيل له أن يتوجه إلى أقرب دولة مجاورة فرد الطيار بأن وقوده يكفي للذهاب إلى الهند، فاجاب برج المراقبة: "فلتتجه إلى هناك". وعندئذ ابلغ قائد فيلق كراتشي الجنرال مظفر عثماني بالامر فتوجه إلى برج المراقبة واستولى عليه وسمح للطائرة بالهبوط. ورأى محللون أن الجيش يسعى بكل جهده إلى إبعاد صفة الانقلاب العسكري عن تحركه، لذا يبحث عن مخرج دستوري للأزمة تفادياً لعقوبات اقتصادية دولية لا تتحملها باكستان في ظل أزمة اقتصادية خانقة. وساد اعتقاد أن الجيش يريد تصحيح مسار الأوضاع وأن التأخير في الإعلان عن شكل الحكم القبل يعود إلى المفاجأة التي تعرض لها الجيش ولم يكن قد تحسّب لها. ولوحظ ان رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بينظير بوتو عادت عن تصريحات أدلت بها سابقاً واعتبرت فيها الإنقلاب يوماً أسود في تاريخ باكستان. وجاء في بيان صدر عن مكتبها في إسلام آباد: "إنني أشجع الذين استولوا على السلطة على أن يضمنوا سير العملية الديموقراطية التي دمرها شريف والسعي في المقابل إلى تأسيس نظام موقت للإشراف على عودة الحكم المدني من خلال انتخابات متعددة الأحزاب و حرة و نزيهة". و رأى زعيم الجماعة الإسلامية القاضي حسين أحمد أن الجيش "أحبط مؤامرات شريف ومخططاته السلبية"، وحضّ الجيش على تشكيل "حكومة وحدة وطنية من أشخاص ذوي كفاءة ومؤهلين ومسلمين جيدين حسب الدستور الباكستاني". اولبرايت والهند و"طالبان" وفي الهند، اُستقبل التغيير في باكستان بهدوء نسبي من جانب العسكريين والسياسيين في الهند. وقال وزير الدفاع الهندي جورج فيرناندز ل "الحياة" ان نيودلهي كانت تلقت تقارير استخباراتية تشير الى احتمال حصول انقلاب. واعتبر ان "وجود وضع يتسم بعدم الاستقرار السياسي في الجوار هو امر مثير للقلق، لكنه لم يكن مفاجئاً بالكامل". واستبعد رئىس الاركان الهندي الجنرال فيد براكاش مالك أي تصعيد على الحدود الهندية - الباكستانية، فيما أكد رئيس الوزراء الهندي آتال بيهاري فاجبايي التزامه تطوير علاقات الصداقة مع إسلام أباد. وقال إن "سياسة الهند تجاه باكستان ثابتة وقائمة على مبادئ". وفي افغانستان، رأى زعيم حركة "طالبان" ملا محمد عمر ان التحرك الأخير للجيش الباكستاني جاء رداً على خطوات قوى أجنبية للنيل من وطنية الجيش والبرلمان الباكستانيين وكرامتهما. وشدد على العلاقات الوطيدة مع باكستان، مشيراً الى ان التغيير هناك مسألة داخلية. وحضّت وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت على العودة الى النظام الدستوري في باكستان، مشيرة الى ان الانقلاب يوجد مستوى جديداً من الغموض في منطقة شهدت تجارب نووية بين قوتين متنافستين. وقالت ان "المسؤولين الاميركيين على اتصال مع القادة العسكريين في باكستان على امل اقناعهم باعادة البلاد الى عهدة حكومة ديموقراطية، إذ ان انقلاباً عسكرياً من هذا النوع يضع صعوبة في طريق مواصلة العمل كالمعتاد" في خفض التوتر في شبه القارة الهندية. وحذرت من ان "اي اندلاع للاعمال العدوانية" بين الهندوباكستان، قد يؤدي الى قدر كبير من عدم الاستقرار في المنطقة. واكدت ان ادارة الرئيس بيل كلينتون تأمل في اقناع الدولتين بالتفاوض لحل مشكلة كشمير سلماً والتوقيع على معاهدة حظر التجارب النووية.