على عكس توقعاتها المتشائمة مطلع السنة الجارية، بدأت دول الخليج العربية تستعيد سيطرتها على عجوزات الموازنة في حين ستعاود اقتصاداتها النمو بعد الصعوبات المالية التي عانت منها ألعام الماضي اثر تدهور اسعار النفط. ويُتوقع ان تواصل اسعار النفط تحسنها حتى نهاية السنة الجارية ليبلغ متوسطها نحو 17 دولاراً للبرميل اي ان معدل سعر خامات دول مجلس التعاون الخليجي سيزيد على 15 دولاراً بنسبة تصل الى 50 في المئة من المستوى الذي افترضته معظم الدول الاعضاء في موازناتها للسنة المالية سنة 1999. وأفادت اوساط اقتصادية ان هذا الارتفاع الحاد في اسعار النفط سيُخفض العجز في موازنات دول المجلس الى نحو النصف من مستواها المفترض عند 22.45 بليون دولار في حين سينمو اجمالي الناتج المحلي باكثر من خمسة في المئة. وأشار مدير الدائرة الاقتصادية في "مصرف الامارات الصناعي" محمد العسومي الى ان تحسن اسعار النفط "سيرفع ايرادات دول المجلس بشكل كبير ما سيُقلص العجز الى ما بين 11 و12 بليون دولار على رغم الارتفاع المتوقع في النفقات الحكومية في بعض الدول الاعضاء عن مستواها المحدد". وقال في اتصال مع "الحياة": ان "مستوى العجز سيبلغ نحو ثلاثة او اربعة في المئة من اجمالي الناتج المحلي المتوقع السنة الجارية مقابل اكثر من ثمانية في المئة وهو المستوى المفترض مطلع السنة الجارية... واعتقد ان انخفاض العجز يجعله تحت السيطرة لأن نسبته الى الناتج جيدة بالمعايير الدولية". ولفت السيد العسومي الى ان ارتفاع اسعار النفط ستكون له نتائج ايجابية مباشرة كذلك على اقتصادات دول المجلس اذ يتوقع ان يُسجل اجمالي الناتج المحلي نمواً اسمياً يراوح بين ستة وتسعة في المئة مقابل نمو سلبي العام الماضي. وقال: "يتوقع ان ينمو القطاع النفطي باكثر من 30 في المئة على رغم خفض الانتاج في حين سيكون هناك نمو في القطاعات الاخرى بنحو ثلاثة في المئة". وافترضت دول المجلس المملكة العربية السعودية - الكويت - الامارات العربية المتحدة - قطر - البحرين - سلطنة عمان اسعار نفط متحفظة لخاماتها السنة الجارية قُدرت بنحو 10 دولارات للبرميل بعدما هوت الاسعار في الاسواق الدولية الى ما دون هذا المستوى مطلع السنة الجارية بسبب تراكم الفائض النفطي. وانتعشت الاسعار بشكل كبير لتتجاوز 20 دولاراً للبرميل في النصف الثاني من السنة بعدما قررت منظمة "اوبك" ودول نفطية اخرى خفض الانتاج. ووصل اجمالي الخفض الى اكثر من اربعة ملايين برميل يومياً منذ العام الماضي تحملت دول الخليج العربية وحدها نحو نصف اجمالي الكمية. وقال الخبير الاقتصادي هنري عزام ان ارتفاع اسعار النفط سيؤدي الى تحسن ايرادات دول المجلس بأكثر من 20 في المئة السنة الجارية. واضاف: "يُتوقع ان يدفع ذلك بعض الدول الاعضاء الى رفع الانفاق بشكل عام اذ ان مستوى النفقات المفترض كان متحفظاً للغاية بسبب افتراضها اسعار نفط منخفضة...الا انه من المتوقع ان ينخفض العجز بشكل كبير في نهاية السنة". واعتبر خبراء ان افتراض دول المجلس اسعار نفط منخفضة عكس تشاؤمها ازاء وضع السوق بعد الخسائر المالية الكبيرة التي تكبدتها العام الماضي عندما وصل متوسط اسعار النفط الى واحد من ادنى مستوياته وهو 12 دولاراً للبرميل. وقدر الخبراء الخسارة بنحو 30 بليون دولار اذ ان ايرادات دول المجلس من الصادرات النفطية لم تتجاوز 55 بليون دولار مقابل نحو 85 بليون دولار عام 1997 عندما قفزت اسعار النفط الى اكثر من 18 دولاراً للبرميل. وقال الخبير الكويتي جاسم السعدون: "اعتقد ان افتراض هذا المستوى من الاسعار وبالتالي نفقات منخفضة يأتي في اطار توجه دول المجلس لاجراء اصلاحات اقتصادية لمعالجة العجوزات المالية وتقليل الاعتماد على النفط... ونأمل من هذه الدول ان تظهر جدية أكبر في هذا المجال بترشيد الانفاق الفعلي وليس المفترض من خلال تقليل النفقات غير الضرورية وتنمية مصادر الدخل". وتوقعت دول المجلس، التي تسيطر على نحو 45 في المئة من اجمالي احتياط النفط الدولي، ان تبلغ ايراداتها السنة الجارية نحو 52.7 بليون دولار في حين افترضت نفقات عند 75.15 بليون دولار بعجز وقدره 22.45 بليون دولار. إلا أن خبراء توقعوا ان يرتفع مستوى الايرادات الفعلية الى اكثر من 85 بليون دولار تشمل عائدات الصادرات النفطية والدخل غير النفطي. وفي حال الانخفاض المتوقع في العجز، فانه سيقل بشكل كبير عن العجز الفعلي العام الماضي البالغ 23.19 بليون دولار وهو اعلى مستوى له منذ سبع سنوات. وبلغ العجز في دول المجلس عام 1997 ادنى مستوى له منذ ان بدأت موازناتها تعاني من فجوات مالية بسبب تراجع اسعار النفط اذ بلغ نحو 309 ملايين دولار فقط نتيجة ارتفاع الاسعار وترشيد الانفاق في بعض الدول الاعضاء. ووصل العجز الى اعلى مستوى له عام 1991 وهو 57.8 بليون دولار اي نحو ثلث اجمالي الناتج المحلي وذلك بسبب المساهمات المالية الضخمة التي قدمتها حكومات هذه الدول لتمويل حرب تحرير الكويت. ويقدر ان ينخفض انتاج دول المجلس من النفط الخام الى نحو 13 مليون برميل يوميا السنة الجارية من 14.5 مليون برميل يوميا العام الماضي نتيجة الخفوضات التي قررتها "منظمة الدول المصدرة للنفط" اوبك.